- المسرح الصحراوي تحدٍّ وتجربة ثرية
القاهرة: «الخليج» - انتصار صالح
خلف المخرج المسرحي الإماراتي محمد العامري مسيرة حافلة وجرأة في اقتحام تجارب فنية متنوعة كرست حضوره كأحد أبرز المخرجين المسرحيين في الخليج العربي وأكثرهم غزارة في الإبداع وحصداً للجوائز، كرّمه مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته ال 30 كرجل مسرح عربي، صنع لنفسه مكانة مميزة عبر عدد من الأعمال المسرحية التي تشتبك مع قضايا واقعنا وتطرح العديد من التساؤلات التي تحفز ذهن المتفرج على إعادة التفكير في كثير من قضايا واقعه، شاهدنا له في القاهرة العديد من العروض ممثلاً ومخرجاً متميزاً، شغفه بالمسرح دفعه منذ بداياته للعمل في كل عناصر العرض المسرحي وحصد جوائز عديدة في الإضاءة والديكور والسينوغرافيا في أكثر من عمل مسرحي.
في القاهرة التقته «الخليج» وعن تكريمه في مهرجان المسرح التجريبي قال: سعدت بهذا التكريم الذي يحمّلني مسؤولية كبيرة في القادم؛ فهو تكريم استثنائي لأنه في مصر قبلة الفنانين كانت وما زالت في كل الفنون وخصوصاً في مهرجان المسرح التجريبي، فالقائمون عليه عندهم العين الفاحصة وتتبع الحالة الإبداعية في الوطن العربي، ومصر لها الدور الكبير في تجربتي فنحن تلامذة أبناء مصر بدءاً من المدرسين المصريين على مقاعد الدراسة وما تركوه من أثر إيجابي في تشكيل شخصيتنا وهويتنا الثقافية، واليوم مصر تكرم أبناءها في كل الوطن العربي.
وهو تكريم لزملائي ممن شاركوا في المهرجان التجريبي ومثلوا الإمارات في الخارج وكل من أعطى من وقته وجهده وحياته للمسرح ممن عملت معهم وساعدوني أن يبرز عملي. ويمتد إلى جهود الإمارات لدعم المسرح المحلي والخليجي والعربي، وإلى جهود صاحب السمو حاكم الشارقة ورعايته للمسرحيين في الإمارات والدول العربية.
* علاقتك بالتجريبي أقدم من التكريم، شاهدناك ممثلاً ومخرجاً في العديد من الأعمال كيف ترى أثرها في مسيرتك؟
= علاقتي بالتجريبي تمتد لأكثر من 28 سنة وقد أثّر في مسيرتي الشخصية والفنية، اطّلعت من خلاله على إبداعات مختلفة عربية وأجنبية في العروض والندوات الفكرية والتطبيقية، وشاركت كمخرج وممثل ومؤلف وتقني وإداري في أكثر من دورة قبل توقف المهرجان وبعد عودته وقدمت الكثير من المسرحيات في هذا المهرجان، وكانت محطة هامة مشاركتي ممثلاً في عرض «كوكتيل» عام 2001 من إخراج الفنان محمد المناعي ونلت جائزة لجنة النقاد للتمثيل العربي برئاسة الدكتور محمد زعيمة، ومخرجاً عرضت في القاهرة عدة أعمال في التجريبي ومهرجان المسرح العربي.
* كيف كانت بداية مسيرتك الفنية، ومن ترك أثراً في بداياتك من المخرجين الذين عملت معهم؟
= البداية ممثلاً مع المخرج الإماراتي الرائد محمد المناعي في مسرحية «كوت بومفتاح» عام 1989، هو معلمي صاحب الأثر الكبير في حياتي الفنية، وكنت أشارك في العمل على كل عناصر العمل المسرحي، وكان والدي رحمه الله طلب أن أنهي دراستي الثانوية في البداية قبل أن يسمح بأن أتوجّه للتمثيل وكنت حينها أيضاً لاعب كرة قدم في نادي الشارقة، وصلت للفريق الأول، وتركتها لأجل المسرح.
تأثرت بكثيرين سواء التقيت بهم أم لا، وفي الشارقة تمتعنا بميزة تعدد الأساتذة من مختلف الدول العربية، ممن تركوا أثراً مهمّاً وشاهدنا تجاربهم التي أثرت خيالنا وثقافتنا، والدور الأكبر يظل لمسرح الشارقة الوطني المدرسة التي انطلقت منها.
* تتكئ في كل أعمالك على نصوص مسرحية عربية، هل ترفض تقديم نص أجنبي؟
= التجربة لابد أن تستفزني وأجد فيها ما أريد تقديمه للمتفرج، لن أقدم عملاً لمجرد أنه نص عالمي، أبحث دوماً عن نص أجد فيه الحالة الثرية التي يمكن أن أبني عليها عرضاً يخاطب الفكر ويثير الدهشة ويشتبك مع هموم الناس ولا تهمني النصوص التي لا تستفزني ولا أجد لها حلولاً إخراجية حتى لا أسيء للكاتب قبل أن أسيء إلى نفسي، والوطن العربي مملوء بالكتّاب المهمين ولا يقلون عن الكتاب العالميين، وهناك نصوص عربية كثيرة جيدة أنتظر الفرصة لتقديمها.
* كوّنت ثنائيات مع أكثر من كاتب، ما أهمها في مسيرتك؟
= اشتغلت مع كتّاب مختلفين أبرزهم أستاذي قاسم محمد، أحمد أبورحيمة، فيصل جواد، سلطان النيادي وقدمت أعمالاً من نصوص صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، لكن الثنائية الأبرز كانت مع الكاتب إسماعيل عبد الله وقد حصدنا معاً نجاحات مهمة لأن طريقتنا في العمل أقرب إلى تجربة المختبر المتواصل.
* هل تشكلت ملامح خاصة للمسرح الإماراتي؟
= مسرحنا اعتمد في البداية على جهود فردية لمجموعة من الهواة من الرواد، ثم جاءت مرحلة تأسيس مؤسسات ومسارح ومهرجانات، وكل الفنانين مدينون لصاحب السمو حاكم الشارقة، على دعمه غير المحدود للمسرح وللمسرحيين في الإمارات، اليوم لدينا ثمانية أو تسعة مهرجانات كبرى، وكان لقوة المنافسة في أيام الشارقة المسرحية دور كبير في تطور المسرح الإماراتي، وتنظيم العديد من الورش لتطوير مهارات الشباب، المسرح في الإمارات تأثر على مدى عقود بمدارس وخبرات عربية متعددة، وأصبحت لديه حالياً هوية مميزة وجاء إطلاق أكاديمية الشارقة للفنون الأدائية ومشروع إحياء المسرح المدرسي ليمثلا دعماً كبيراً للحركة المسرحية.
* انشغلت في بعض أعمالك بالتراث، كيف ترى استلهامه في مشروعك الفني؟
= التراث الشعبي ثري بالحكايات والأفكار والموتيفات والعناصر التي يمكن أن تتم مسرحتها وتعطي دلالات جديدة وتقدم بطريقة حداثية ومعاصرة مستفزة لأي مخرج، وثراؤها يتيح استخداماً أكثر من عنصر فني من الغناء التعبيري والكوميديا والحكاية وتقديمها بشكل معاصر، ومؤخراً قدمت عرض شعبي «زغنبوت» عن الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية وانقطاع المؤن والقحط والجوع، تناولت فيها الصراع البيئي والصراع بين البشر في الأزمات، قدمتها للتذكير بتضحيات الآباء والأجداد والبيئة والحياة القاسية التي عاشوها، وحين ترجع إلى أحداث تاريخية والموروث في الذاكرة الحية تمس الجمهور أكثر.
* للطبيعة الجغرافية الصحراوية والبحرية حضور في عروضك، كيف ترى توظيفها؟
= تضيف ثراء كبيراً للعروض وتتيح مساحة رحبة للخيال والتجريب خاصة في عروض المسرح الصحراوي وقد تناولت البيئة الشعبية الساحلية وأهازيجها وفنونها واستخدام عناصر من البيئة في الديكور.
* ما الاختلاف في عروض مهرجان المسرح الصحراوي عن باقي العروض؟
= نعتمد على ديكور البيئة، مساحة كبيرة مفتوحة، 80 في 100 متر، ونستخدم الخيول، كما نحتاج فيها إدراك قياس مساحات الصوت مع الحركة وأمور كثيرة تفرضها المساحة المفتوحة والبعد عن الجمهور يحتاج إلى أسلوب مختلف تماماً عن مسرح العلبة الإيطالية، ويحتاج تضخيم للحلول الإخراجية وفي الأداء ويعتمد الصوت على البلاي باك.
* تهتم في أعمالك بالصورة كيف تتشكل رؤيتك للسينوغرافيا ودور تطور التكنولوجيا فيها؟
= الخيال هو أهم نقطة للانطلاق في مسرح الصورة والتكنولوجيا تضيف إمكانيات داعمة لخيال الفنان بتوظيفها لخدمة رؤيته للعمل وإيصال فكرة أو دهشة للمتلقي وتحقيق جماليات، لكن شهدنا مؤخراً إسرافاً في استخدام التكنولوجيا أثّرت سلباً في التجربة المسرحية، فالصورة ذات دلالة ومعنى وتأثير على المتلقي، وما أريده في أعمالي هي الفرجة المؤثرة التي تضيف للعمل وتقربه للمتلقي بكافة شرائحه وثقافاته.
* هل ترى صعوبة في التوفيق بين الرغبة في التجريب والتواصل مع الجمهور؟
= أول شخص تريد أن تكسر أفكاره وثوابته وتنافسه هو أنت، فعليك تجاوز العمل السابق لتقدم الجديد، فهذا التراكم من التجارب هو ما يشكل المشروع الفني لكنني أحرص أيضاً على تحقيق التواصل مع الجمهور بكافة فئاته فعروضي في المهرجانات حين أقدمها للمتلقي العادي يتقبلها ولا يجد نفسه أمام شيء مبهم أو ضبابي.
* لماذا انسحبت من العمل بالدراما التليفزيونية وأنت نجم بها؟
= توقفت عنها تماماً، ما عدا فيلم «خورفكان» الذي شاركت فيه مع فنانين من الإمارات والوطن العربي كاستثناء لأنه عن نص لصاحب السمو حاكم الشارقة، وتشرّفت بالعمل فيه، وأن أكون جزءاً من هذا المشروع المهم، حالياً الدراما التليفزيونية لم تعد تنافس المسرح بالنسبة لي، ربما في المستقبل أعود وأمثل بها، في التليفزيون أكون ضمن مشروع أؤدي شخصيتي في العمل فقط، لكن في المسرح أسيطر على عناصره وأدير هذا المشروع برؤيتي وأفكاري والرسائل التي أريد تقديمها، التليفزيون قد يبعدني عن المسرح، جاءتني أيضاً فرص عديدة من الإنتاج المشترك عربياً في السينما والدراما لم أشارك بها لتعارضها مع عملي في المسرح وهو محور حياتي ومشروعي الإبداعي.