لا تهدأ أنامل فردوس بن علي، وهي تجهز الهريسة، التي تبدأ رحلة إعدادها في حقلها من حيث تجمع حبات الفلفل الأحمر بعناية لتخط بذلك أولى أسطر قصتها مع الأكلة الشعبية التي تشتهر بها تونس وخاصة في نابل بشمال البلاد.
والعام الماضي أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) الهريسة التونسية في قائمة التراث العالمي غير المادي لتفتح بذلك أبواب طموح أوسع أمام الحرفيات والحرفيين لتطوير صناعة الهريسة التقليدية والترويج لها محلياً وعالمياً.
وتأمل فردوس، التي توارثت حرفة إعداد الهريسة من والدتها دوادة بن سالم، في أن تكتسح الأسواق المحلية والمعارض في كامل محافظات البلاد وتروج لها في الخارج أيضاً.
وتقول فردوس (41 سنة) لرويترز إن علاقتها بالفلفل «عميقة ووجدانية»، وإن إعدادها للهريسة بمكانة إعداد طبق فني تمزج فيه الفلفل الحار بأصابعها غير عابئة بتأثيره ثم تضيف الثوم والبهارات وزيت الزيتون الصافي فتفوح رائحة زكية تنسيها عناء كبيراً.
أما دوادة بن سالم، فقد أفنت عمرها في هذه الصناعة وعلمتها لبناتها اللاتي يشاركن والدتهن في كل المراحل، فكل واحدة تقوم بإحدى المهام إما غسل الفلفل الأحمر المجفف وطحنه، أو تتبيل الفلفل بالثوم والبهارات، أو وضعه في أوان من بلور وخلطه بزيت الزيتون من أجل بيعه في محافظات أخرى.
وتتحدث داودة بكل فخر عن مكانة الهريسة في المطبخ التونسي إذ لا توجد عائلة في منطقتي المعمورة ونابل لا تعد كميات كبيرة لتخزينها سنوياً من الهريسة التقليدية المميزة.
ولشهيدة الوهيبي حكاية أخرى مع الهريسة التقليدية بعدما أصبحت هذه الحرفة مصدر دخل لها عقب احتراق منزلها ووفاة صغيريها ومرض زوجها، لتبدأ رحلة كفاح من أجل أن تضمن لنفسها حياة كريمة.
وقالت شهيدة إنها فتحت متجراً صغيراً في سوق نابل البلدي وثابرت كثيراً حتى أصبحت تمتلك أكثر من متجر ويعمل لديها العديد من السيدات اللاتي يشكين من ضيق ذات اليد، لتمنحهن بذلك فرصة لكسب قوتهن.
وتشتهر تونس بزراعة الفلفل، وتختلف أنواعه وأسماؤه من الشمال إلى الجنوب، وتكثر زراعته في السهول والمناطق السقوية وخاصة في نابل وبنزرت والمنستير وسيدي بوزيد والقيروان.
وقال صلاح بوعوينة عضو جمعية صيانة مدينة نابل إن الجمعية ثابرت وجهزت ملفاً ثقيلاً للهريسة التقليدية وتوجهت به لليونيسكو، وبعد عمل دؤوب ومتواصل على مدى سنوات أدرجت المنظمة الدولية الهريسة التونسية في قائمة التراث العالمي غير المادي في ديسمبر/ كانون الأول 2022.
وتأثرت زراعة الفلفل المخصص للهريسة كغيرها من الزراعات بسبب التغيرات المناخية، ما دفع العديد من المزارعين إلى التراجع عن زراعته بعد تقلص المساحات المزروعة بنسبة 20 في المئة، وفقاً لبيانات من نقابة المزارعين في تونس.