حصن الشارقة.. وقلبها

00:02 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد سالم البيرق
كاد حصن الشارقة أن يكون أثراً بعد عين، لولا العناية التي حفته وشملته، ففي العام 1969 ميلادية كان قد مر على إنشائه 146 سنة، وعندما ورد لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، خبر مفاده بأن الحصن يهدم، قطع دراسته في مصر وقتها عائداً إلى الشارقة ليحفظ ما تبقى منه ويوقف مشروع إزالته بدوافع التوسع والتطوير والتعمير.

حين وصل سموه كان الهدم قد أتى على جل الحصن إلا برجه الشمالي المسمى ببرج الكبس، فأول ما حمل من مسؤولية تجاه الإمارة وإنسانها أن جمع بقايا الحصن المهدم من أبواب وأقفال وأسرّة ولوحات ونوافذ، وقياس أبعاده وارتداداته، ليحفظها للأجيال القادمة.

فِعل سموه ذاك نابع من شعور ذاتي بالمسؤولية وإدراك تام لفجاعة ما كان يحدث وهول ما يمكن أن يؤول إليه الأمر عندما نبدأ تضييع آثارنا التاريخية وشواهدنا الزمانية والمكانية وحضارتنا العمرانية.

حصن الشارقة الواقع في قلب الشارقة اليوم في هذا العام نحتفي بذكرى قرنين على تشييده في العام 1823. 200 سنة من التاريخ شهدت خلالها أسواره وأبراجه وأحجاره وأبوابه أحداثاً عظاماً، ازدهرت خلالها الشارقة، وارتقى معها إنسان الشارقة.

كان هذا الحصن الذي في ظاهره مركز دفاع وقتال وحرب، يحوي أكبر مكتبة للكتب لتنوير وتبصرة العقول، أسسها الشيخ سلطان بن صقر الثاني وسميت المكتبة القاسمية وتوارثتها الأجيال من بعده حتى يومنا هذا، وهي نواة تأسيس مكتبة الشارقة العامة التي نجدها اليوم.

كما أُبرمت في الحصن معاهدات واتفاقيات ذات أثر دولي عالمي، لعل من أبرزها اتفاقية إنشاء محطة الشارقة الجوية عام 1932، والتي ضمت أول مطار دولي وأول دار سينما وأول بريد جوي وأول مكتب اتصالات سلكية ولا سلكية في المنطقة.

ومع توسع البلاد وظهور المؤسسات الإدارية وتعددها حسب حاجة المجتمع، انتقل مقر الحكم من الحصن، وآل المبنى لقوة شرطة الشارقة ليكون أول مقر رئيسي لقيادة الشرطة.

اليوم، وبعد عمليات إعادة تعمير الحصن التي استهلت في العام 199، تحول الحصن من كونه مقر حكم ودفاع وحماية إلى مؤسسة وطنية تحفظ تاريخ الشارقة، حيث حوى متحفاً قيماً يروي تاريخ القواسم، وبطولاتهم، ومواقفهم، وإنجازاتهم الفكرية والعملية، وقدراتهم العسكرية. ليس هذا فقط، بل يروي تاريخ الشارقة بأناسها وأسواقها وأنشطتها ومكانتها وأبرز ما حدث ودار فيها.

وفي عصره الحديث، بقي الحصن يؤدي ذات الأدوار التنموية، فقد شهدت أروقته حدثين أعدهما شخصياً من أبرز الأحداث التي عاصرتها وهما إطلاق حملة «متحدون مع التراث» التي تقودها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» بهدف الاحتفاء بالتراث الثقافي والتنوع الثقافي وصونهما في شتى أنحاء العالم في العام 2017م، وفي العام ذاته وفي الحصن أيضاً احتفلت شرطة الشارقة بمرور 50 عاماً على تأسيسها. وكلا الحدثين شرف برعاية وحضور صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي.

كل ما في هذا الحصن يدهشك بتاريخه ورمزيته، بدءاً من بوابته الخشبية العملاقة، أول مظاهر الدفاع في الحصن، إلى أبراجه الشاهقة، وجدرانه العالية، وفنائه الواسع، وشرفته المميزة، ولا نغفل التاريخ العظيم لبعض الملحقات بالحصن التي لا تقل أهمية تاريخية عن البناء نفسه كالمدفع الرقاص الذي يعود للعام 1811، وقد وصف بأنه مدفع أسطوري فلم يدخل معركة إلا كان النصر حليف أصحابه، وكذلك حطبة التوبة المركوزة أمام الحصن ذات الرأس المحترق يشد إليها من وجب تنفيذ العقوبة فيه من مجرمين ولصوص، وهي عبارة عن سارية إحدى السفن بقيت شاهداً على حريق الشارقة في عهد الشيخ صقر بن خالد القاسمي وتسبب به دون قصد منه رجل يدعى (باسيدو).

إلى جانب المدفع الرقاص، رمز الفخر والقوة، وحطبة التوبة، رمز العدل والقانون، نجد في الحصن حامل مصحف خشبياً نحتت عليه عبارة (لصاحبه خالد بن سلطان بن صقر القاسمي 9 محرم 1257 هجرية) ليكون بذلك رمزاً دينياً ثقافياً تاريخياً.

كثيرة هي ملامح الزمان في روح هذا المكان، أوردنا اليسير منها لنحفز شغفكم باكتشاف ما تبقى منها بزيارة هذا الصرح التاريخي الكبير الذي يشكل ركيزة أساسية من ركائز السياحة التاريخية المعرفية في الشارقة بشكل خاص، ودولة الإمارات على وجه العموم، فقد حظي حصن الشارقة في هذا العام 2023 بأن حصل على شهادة تسجيله على لائحة «الإيسيسكو» للتراث في العالم الإسلامي.

نحتفي جميعاً هذا العام بمرور 200 عام على تشييد حصن الشارقة ونصب أعيننا كلمات صاحب السمو حاكم الشارقة التي قال فيها: «التراث هو المرادف لوحدتنا الإنسانية التي تجمع مختلف الشعوب والثقافات، وندين للتراث ولكل الحضارات التي كرست سيرتها لتترك بصمتها في التاريخ الإنساني، وتحفظ لنا تاريخنا وذاكرتنا ومعالم هويتنا الإنسانية التي تجمعنا».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4vx5u4r8

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"