الشارقة: أشرف إبراهيم
مع انتشار العوالم الرقمية، بدأت رحلة انتشار الكتب الإلكترونية على المنصات الخاصة للكتاب في الصعود، ومن ثم قفزت إلى منصات متداولة في ظل ارتفاع أسعار الطباعة الورقية، وانخفاض أسعار النشر الإلكتروني، إذ قدرت بعض جهات نشر وكتاب أن الفروق تصل إلى 20 أقل لمصلحة نشر الكتاب الإلكتروني، فهل يتجه الكتاب ودور النشر إلى تصدير الكتب بشكل أكثر للقارئ من خلال المنصات الإلكترونية، أم يظل الورقي مبتغى وأملاً للكتاب والناشرين.
في ظل الطفرات الإلكترونية تكثر أحلام القارئ والكاتب والناشر معاً نحو ما يرسخه الكتاب الإلكتروني من استجابة لتطلعات المعرفة الجديدة، وفي ظل غياب قوانين الملكية الفكرية بشكل واضح وصريح تبقى هناك مخاوف من النشر الرقمي باستثناء المنصات الموثوقة، في هذه السطور نستطلع آراء كتاب وناشرين حول أهمية كلفة الكتاب في سوق النشر في ظل الفروق والتباين في سعر الكتاب المنشور ورقياً والمنشور إلكترونياً.
بوصلة
تختلف بوصلة الكِتاب وطرق نشره وعملية مقروئيته من وجهة نظر الكاتبة عائشة سلطان التي ترى أن طرائق نشر الكتب تثري المعرفة لدى القارئ والمبدع معاً، إذ تتنوع الذائقة فيغترف كل فرد في المجتمع من معين ثقافة واحدة في أشكال متعددة من النشر، فهناك من يفضل القراءة عبر الورقي وآخرون تدعوهم الرغبة للاطلاع عبر المنصات الإلكترونية التي تعرض الكتب بسعر ربما يكون زهيداً نسبياً، رغم غزارة المعروض، لكن تبقى هناك إشكالية تخص مسألة رغبة كاتب عن آخر في اختيار طريقة تحقق له الانتشار ودرجة من المقروئية، ما يضع الكاتب أمام اختيارات تتفق مع ميوله، سواء بالاتجاه للنشر الورقي أو الإلكتروني، وتضيف عائشة سلطان أنه على الرغم من كثرة المنصات فإن اتجاه الكتاب للنشر الورقي هو السائد والأكثر رواجاً حالياً، وأنه من خلال هذه الآلية يتم الترويج للكتب المنشورة في المواقع بهدف تحقيق ربح آخر، لافتة إلى أنه ربما في الأعوام المقبلة تحدث ثورة جديدة في عالم النشر وفق مستجدات العصر، لكن لا يمكن التكهن بطبيعتها في ظل التغيرات المستمرة التي تحدث في هذا الإطار وبصورة كبيرة.
قطاع غامض
وبواقعية شديدة يبين الناشر والكاتب محمد نور الدين أن تجربة نشر الكتاب الإلكتروني على نطاق واسع لم تكتمل بالصورة التي تجعلنا نصدر الأحكام على هذا القطاع الغامض إلى حد ما في هذا العصر، على الرغم من أنه شخصياً حول الكثير من الكتب المنشورة ورقياً في الدار التي يديرها إلى إلكترونية، إلا أنه لا ينشرها بالكامل كونه يضعها على منصة خاصة وبطريقة مجانية متاحة للجميع، موضحاً أن اتجاه معظم الكتاب إلى نشر كتبهم ورقياً هو أمر حقيقي وواقعي كون الورقي على الرغم من أنه أكثر كلفة إلا أنه بالنسبة للكتاب يحقق لهم انتشاراً في حيز زماني ومكاني، إذ تحتضنه المكتبات ومعارض الكتب، ويرسخ في المكتبات الخاصة داخل البيوت، ويتداول بين الأصدقاء من خلال الإهداءات، ما يجعل أكثر الكتّاب غير راغبين في نشر كتبهم عبر منصات إلكترونية على الأقل في عالمنا العربي، بسبب التخوف من إغلاق بعض المنصات أو تحولها إلى مشروعات أخرى، ومن ثم ظهور منصات جديدة تجعل القارئ نفسه في حيرة أثناء البحث عما يرغب وعما يستجد في عالم النشر أيضاً، ويلفت نور الدين إلى أنه كلما كان عدد صفحات الكتاب أكثر كلما كانت كلفة طباعته إلكترونياً أقل، وأن الفروق غالباً في هذا العصر بشكل عام ليست كبيرة بين النشر الورقي والإلكتروني لكنه يعتقد أنه كلما مر الزمن وخاض المؤلف أكثر في أزمنة العوالم الإلكترونية المستحدثة فإنه من الممكن أن يحقق الكتاب الإلكتروني انتشاراً أكثر، ويصبح ظاهرة وذلك في حالة وضع قوانين فاعلة في مجال حقوق الملكية الفكرية للنشر الإلكتروني.
متعة
ويعترف الكاتب والناشر محسن سليمان بأن مجال النشر الإلكتروني له مستقبل في ظل التنامي الملحوظ للعالم الرقمي، وصعود الذكاء الاصطناعي في مجال المعرفة، لكنه يؤكد أن طباعة الكتاب الورقي سوف تصمد طويلاً في الوقت الحالي، بخاصة أن معظم الكتّاب يجدون متعة في أن يروا شكل كتبهم ويتلمسوها وهم يتأملونها وهي شاخصة أمام أعينهم، مشيراً إلى أن الواقع يبرهن على أن النشر الإلكتروني يعتمد على سهولة التخزين، لكنه في النهاية غير آمن، إذ إنه من الممكن تحت وطأة خطأ تقني بسيط يختفي كل شيء، فهو في كل الأحيان مغامرة غير محسوبة، فضلاً عن أن قوانين الملكية الفكرية لا تتوافق في كل البلدان في صيغها، ما يفتح مجالاً لسرقة الأعمال الأدبية والفكرية بوجه عام، مؤكداً أنه كناشر يجد أن قطاعاً كبيراً من الأدباء يفضلون النشر الورقي مهما كان بالغ الكلفة، لأنه يحقق متعة جمالية للكاتب، ويعطيه إحساساً بأن شيئاً ملموساً بين يديه، وأن قطاعاً كبيراً أيضاً من الجمهور بإمكانه أن يشتريه ويتصفحه ويحمله أينما ذهب، وأنه من الممكن لهذا الكتاب الورقي أن تتزين به المكتبة داخل البيت، بصورته المرئية والملموسة والمحسوسة أيضاً، بما ينبئ بأنه ليس من السهل أن يحدث هذا التحول من الورقي إلى الرقمي بهذه السرعة، على الرغم من كثرة المنصات التي تعرض الكتب للقراءة مقابل مبالغ زهيدة عبر اشتراك سنوي، بالإضافة إلى أن المنصات المجانية تتيح عرض بعض الكتب للقراءة والتنزيل وعرض بعضها الآخر للبيع من خلال التسجيل من أجل إتمام عملية الشراء.
حركة التغيير
أما الكاتب سعيد الحنكي فإنه يدرك تماماً تغيرات النشر وآلياته المستحدثة في هذا العصر، وأنه لا يستبعد ثورة في هذا المجال أكبر، في ظل توافر تقنيات إلكترونية ضخمة عبر الإنترنت، وأن هناك قطاعاً عريضاً من الكتاب الشباب لديهم هوس بنشر أعمالهم عبر وسائط رقمية سواء عبر منصات خاصة أو من خلال دور نشر ومنصات موثوقة ولها رواج، وأن جيل الشباب من هؤلاء الكتاب سيقودون حركة التغيير هذه في قطاع النشر والمؤسسات المعنية به، وأنه لا حيلة لهم سوى الرضوخ لهؤلاء الأدباء ومن ثم العمل على تحقيق رغباتهم وطموحاتهم بخاصة أن النشر الإلكتروني هو أقل كلفة من الورقي، لكن في المستقبل إذ ساد هذا الاتجاه هل ستظل الكلفة قليلة..
يبين الحنكي أنه لا أحد يدري ما الذي يمكن أن يحدث بالضبط، لكنه على يقين بأن الكتاب الورقي سيعمر طويلاً، وأن الاتجاه إليه من قبل الكتاب رغم ارتفاع كلفته أمر لا مناص عنه، فهو في محيط المعرفة إنجاز لا مثيل له، تتناقله الأجيال ولا يمكن أن يدخل في دائرة النسيان أو الإهمال، لأنه ذاكرة حقيقية للأدب ولا غنى عن تصفحه ولمسه باليد، والنظر إليه بالعين، والالتفاف حوله، وأنه شخصياً يميل إليه وينشر كتبه ورقياً على الرغم من كلفتها المرتفعة، لكونه تعود على مراحل إعداد الكتابة من التأليف ثم المراجعة وإنشاء فهرس وتصميم غلاف، ومن ثم الدفع به مباشرة إلى دور النشر التي تتولى طباعته، على الرغم من أنه يتمنى مثل أي كاتب أن ينتشر مؤلفه على نطاق واسع، وأن يطالعه القاصي والداني، وأن يكون له وجود عبر عوالم الإنترنت وبين المنصات، لكن هذا الأمر من وجة نظر الحنكي يحتاج إلى وقت لكي يكون التحول مدروساً ويقبل بشكل واسع على هذه الخطوة، على الرغم من قناعته بأن الكتاب الورقي لا يمكن أن يخفت بريقه أبداً، وأن الكتاب لن يستغنوا عنه حتى لو حدثت تحولات جذرية في ميدان النشر الإلكتروني.
دائرة النسيان
وتجزم الروائية موزة عوض أن للتكنولوجيا الرقمية دوراً كبيراً في التنامي المعرفي، وأنه لولاها ما استطاع قطاع كبير من الأدباء والمثقفين والمفكرين والقراء أيضاً، الاغتراف من معين الآداب العالمية، لافتة إلى أن صفحات الإنترنت عامرة بعدد لا متناه من الكتب على طريقة PDF، فضلاً عن الكتب القيمة المنشورة بشكل رقمي خالص، وأن هذه الثورة رسخت لطباعة الكتب الإبداعية إلكترونياً نظراً لأنها أسرع في الانتشار وأكثر تداولاً وأقل كلفة من ناحية الطباعة، لكنها لا تجد أن الفوارق في نشر الكتاب ورقياً أو إلكترونياً كبيرة، مما يجعلها شغوفة مثل غيرها من الكاتبات والكتاب بمسألة النشر الورقي، ليس لكون فكرته قديمة وراسخة في المحيط المعرفي، ولكن لأن الكتاب الورقي وإن كان سعره مكلفاً نسبياً عن الإلكتروني من ناحية الطباعة إلا أن مكاسبه لا تحصى ولا تعد، فهو كما تتخيله مثل مولود من روح يتنفس ويمرح ويتحرك في الحياة بشكل طبيعي، وأن خواصه الجمالية لا يمكن تجاهلها، وأنها دائماً تسعى إلى نشر كتبها ورقياً نظراً لأن هناك سراً خفياً في الكتاب الورقي ومجهولاً إلى حد ما- مهما عددنا من مزاياه- وتذكر أنه من ضمن طموح أي كاتب أن يحقق انتشاراً، وأن الكتاب الورقي يحقق ديمومة في الانتشار بعكس الإلكتروني الذي قد يكتسب بريقاً في مرحلة ما وفي مراحل أخرى قد يلقى الإهمال، ومن ثم يركض في دائرة النسيان، وأنها تدرك كأديبة المزايا والعيوب للنشر الورقي والإلكتروني، لكنها تنحاز بشدة إلى النشر الورقي عن يقين راسخ حتى لو ظلت أسعار الورق في زيادة.
منصات البيع
وتوضح الكاتبة فاطمة المعمري أنه من الجميل أن يكون للكاتب حضور آسر على منصات بيع الكتب الإلكترونية، وأنها تدرك هذا التحول القادم بقوة في عالم النشر، وأن المستقبل يؤشر إلى ذلك بخاصة أن بعض المنصات الشهيرة في الترويج لمؤلفات الكتاب تتطور كل يوم، وهو ما ساعد على ظهور الكثير من المنصات الأخرى، وبأسعار تناسب الجميع، وترى أنه على الكاتب أن يضحي إذا أراد هذا النوع من الانتشار، لأنه قد يضطر إلى نشر كتبه بشكل مجاني مما لا يعود عليه بالربح، وتشير إلى أنها تجد أن النشر الورقي بأسعاره المرتفعة حالياً يحقق للكاتب درجة من المقروئية في إطار منظم ومحدد المعالم ومتسق مع حقوق معلومة للملكية الفكرية، وأنها تفضل النشر الورقي، وتحبذ أيضاً انتشار الكاتب عبر العالم الرقمي، لأن جدلية التطور في عالم النشر قائمة وأن التحول الرقمي لن يكون بديلاً بشكل كامل عن النشر الورقي لأن لكل ميزاته وأدواته.