الشارقة: أشرف إبراهيم
الدكتورة فاطمة حمد المزروعي صاحبة مسيرة لافتة في أدب الأطفال والقصة القصرة، تمتلك مشروعاً إبداعياً تتجلى معالمه من خلال وفرة أعمالها التي تتشكل على مرآة الزمان والمكان، ومن أهم الملامح المميزة المعبرة عن كتاباتها التصاقها بالحياة اليومية وتكوين رؤية تستخلص من خلالها أفكارها الجمالية التي توجهها عادة للأطفال، فقد التحمت بعوالمهم البريئة وقدّمت في مجمل قصصها صورة صادقة تتطابق مع أفكارهم ونزعاتهم الفردية، ومشاغباتهم الحياتية، وتمردهم على السلطة الأبوية في كثير من الأحيان، فرصدت بدقة آمالهم وطموحاتهم، وقدّمت لهم وجبات أدبية غير اعتيادية، ما يثري عقولهم ويملأهم بالجمال؛ كونها متعايشة مع الموروث الإماراتي الأصيل، وناقلة له برؤية إبداعية مغايرة، فهي قادرة على إشباع وجدانهم بأسلوب متخيل يتفق مع العصر وقضايا الطفولة الآنية، فأعادت من خلال قصصها الموجهة لهم تشكيل رؤيتهم للحياة، ومن ثم مساعدة الآباء في فهم المتغيرات الإنسانية التي طرأت على مخيلتهم في ظل اختناقات العصر، والعالم الرقمي الذي استهلك الطاقات الفكرية في ما لا طائل منه.
في رصيدها نحو ثلاثين كتاباً تترواح ما بين القصص القصيرة، والكتابات النقدية، وهي تمتلك أسلوباً مكثفاً في الكتابة يمنحها القدرة على تطويع أفكارها بطريقة دالة، فهدفها الأول هو إبعاد أي قارئ عن الملل؛ إذ تمهد للمعنى بأسلوب مجازي ضمن تقنيتها التعبيرية البصرية، وقد ترجمت العديد من أعمالها إلى لغات حية، وهي تشعر بأنها دخلت إلى عالم الطفل وأنه من الصعب أن توجه بوصلتها بعيدة عنه، إذ انتهت مؤخراً من كتاب «دفتر أحمر لمغامرات منصور» الذي شكلت فيه مشاهد متجاورة لطفل يحلق خارج السرب بعيداً عن أقرانه كونه يعيش في عالمه الخيالي، فيسافر بين الأزمنة ويعطي نفسه صفة فارس، وفي أحيان أخرى مخترع، وغيرها من المشاهد التي تجعل للسرد مذاقاً آخر بأسلوبها البصري المكثف ضمن أبنيتها الجمالية، وهي تتعامل مع اللغة التي توجهها إلى كل طفل لا يتوقف عن التخيل، ومحاولة الوثوب خارج زمنه، وهو ما يتطلب من الآباء أن يتحملوا طاقات الأبناء الخلاقة وحركتهم ضمن طبيعة أحلامهم الصغيرة وهي الرسالة التي توجهها المزروعي بتوظيف خلاق، وكأن ما ترصد في هذه المغامرات بعين الكاميرا، لتجسد في النهاية ثلاث مغامرات محكمة تكمل من خلالها منظومة أفكارها في هذا الإطار الخلاق، حيث تطلق العنان للطفل منصور الذي يروي مغامراته وكأنه يستنطق الأمكنة ويعبر الأزمنة بحرية ونشوة، فيسرف في التأملات لكي تبقى صورة الطفل الذي يمتلك قدراً من الخيال هي الملائمة على النحو الذي اختارته الكاتبة.
وتعكف المزروعي على كتابة مجموعة قصصية قصيرة موجهة للكبار لم تخترْ لها اسماً بعد، حيث أتمت منها نحو 15 نصاً تبرز من خلالها وجهاً آخر لإبداعها في السرد المكثف، حيث تحدق في الأيام، فتقتنص مما يدور في دهاليز المجتمع من تقلبات مرتبطة بالإنسان، لتمخر بعيداً عن العادي والمستهلك، وتسخر من الواقع ما يجعلها قادرة على تجسيده بأسلوب خيالي يعبر عن رؤيتها للوجود، وإحساسها بإنسان هذا العصر وآلامه.