لماذا تموت الدول؟

00:34 صباحا

عبدالله محمد سعيد الملا

سنعرض هنا وباختصار بعض المفاهيم عن الدول، وسنعرض دورة حياة الدول، وأسباب ضعفها، وانهيارها كدول فاشلة (مارقة)، ثم سنلقي نظرة على إعادة بناء الدولة الفاشلة، وسنطرح بعض الاقتراحات لديمومة الدول، وتقهقرها نحو الضعف ثم الفشل.

إن الدول تحاكي دورة حياة الإنسان، فهو يولد ليموت، ويبدأ بمرحلة الولادة، ثم مرحلة الطفولة، تليها مرحلة الشباب والنضج، وبعدها مرحلة الشيخوخة، حتى تنتهي رحلة الحياة بالوفاة. وكل ما يصنعه الإنسان يحاكي دورة حياته، فتصيبها الأمراض، ولكنها تختلف عن أمراض صانعها.

وبالاطلاع على نظرية الدولة/الحكومة، وهما كلمتان مترادفتان، وقد كتب عنها ابن خلدون «كل دولة تنتقل بين خمسة أطوار هي: الظفر، والانفراد بالمجد، ثم الفراغ والدعة، ثم طور القنوع والمسالمة، ثم الإسراف والتبذير». وتختلف الدول عن الإنسان في الأمراض والموت، فهناك أشكال وأنواع عدة، من موت الدول، منها التحول من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري، أو من النظام المدني إلى النظام العسكري وغيرها.. وهكذا تموت نظم الدول، ويعتبر تغيّر النظم ترتيباً داخلياً جديداً مع الاحتفاظ بسيادتها. وهناك موت كامل للدول، مثل الإمبراطورية الرومانية، إلا أن ما ينقص سيادة الدول هو تمدد الدول الأخرى بالاستحواذ علي جزء منها، والتمدد على جميع أجزائها، ما يفقدها سيادتها. ويتحقق هذا إما باستخدام القوة الخشنة، وإما القوة الناعمة. وقام ابن خلدون بتفسير سبب انهيار الدول مع الترف، بكونه السبب الأبرز في سقوط الدول عن طريق النخبة الحاكمة التي ترفل في النعيم، ناسية، أو متناسية، آلام شعوبها، وتقوم الدول هنا بفرض القوة المسلحة كلما دعت الضرورة لإسكاتها، ويؤكد أن الاستبداد و«الانفراد بالمجد» هو السبب الثاني الذي يؤدي لسقوط الدول. هنا تتعدد النظريات والأسباب التي تحاول تفسير سقوط الدول، وهنا برزت مؤخراً، نظرية تماسك المجتمع كمحدد لسقوط الدول، مهما كانت قوتها، وهذه النظرية هي الآن تحت المحك في الحرب القائمة بين إسرائيل والفلسطينيين. الطرفان في تناقض في تناسب القوة وتماسك المجتمع. وأذا تحققت هذه النظرية فإنها ستقلب النظريات التي سبقتها.

وهناك شبه إجماع على أن أسباب سقوط الدول واحد، وهو فشل مؤسساتها، أو الفشل في تقديم الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، وعدم فعالية الحكومات.

وتعددت الأسباب والسقوط واحد، أما الموضوع هنا فليس أسباب سقوط الدول، بل ما هي العوامل التي أدت إلى هذه الأسباب، ومنها:

1- ارتفاع أعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر والبطالة.

2- اللجوء إلى المساعدات الخارجية والقروض من دون أن يكون هناك أي تطوير حقيقي ملموس، الأمر الذي يترتب عليه مديونية متصاعدة ترهق كاهل الموازنة العامة.

3- التدهور الاقتصادي الكبير في غياب التنمية الاقتصادية العادلة في التعليم والوظائف والدخل ومستويات الفقر، وتزايد النزعات الإثنية لهذه الدول.

4- غياب القدرة على تطوير وسائل الإنتاج والموارد الاقتصادية.

5- وصول الفساد إلى مستويات تدميرية.

6- تفاوت كبير في مداخيل الطبقات الاجتماعية لتنحصر في طبقتين، إحداهما فاحشة الثراء، وأخرى مسحوقة. وهناك أسباب أخرى، منها نضوب خزائن الدول والاعتماد على حليف واحد، وتوالي الحكومات الضعيفة بما يؤدي في النهاية إلى ضعف الدول، وتناحر الطبقة الحاكمة والتخبط في استراتيجياتها في علاقاتها الدولية، وانقلاب الرأي العام الدولي عليها.

أما الدول الفاشلة فهي الانزلاق إلى مستوى الدول الضعيفة التي تحتاج إلى إعادة بناء الدولة، وتعاني نقاط ضعف البنية الداخلية، وتتميز بأنظمة سياسية هشة، وعندها تدخل في الصراعات والاضطرابات الداخلية، والحروب الأهلية والإرهاب. وهذه جميعاً نتيجة ضعف الدول، بما يؤدي إلى انهيارها، لتصبح دولة فاشلة، وحكومتها ضعيفة، هشة ليس لديها القدرة على النمو الاقتصادي، وتعزيز التنمية، وهي مهددة بالانزلاق إلى دولة فاشلة.

ان إعادة بناء الدول يتطلب إعادة بناء المؤسسات الحكومية والاجتماعية، وهذا لا يتحقق الا بمساعدات خارجية. ومن أهم العوامل لإعادة بناء الدولة الفاشلة: المركزية الحكومية القوية التي تتمتع بالتأييد الواسع بين مواطنيها، وإعادة بناء المنظومة الأمنية، ومنها القوات الخاصة لحماية المراكز العليا للحكومة، والاستثمار في البنية التحتية التي تخلق فرص عمل، وتطوير المنظومة التعليمية والطبية، وإنشاء الأجهزة الاجتماعية الحكومية وغير الحكومية، وضخ المعونات الاجتماعية، بحيث يشعر المواطنون بأن الحالة أفضل من السابق، وهنا تعتبر الاستدامة خير علاج لديمومة الدول، وقد عرفت الأمم المتحدة الاستدامة بها «تعني تلبية حاجات الحاضر، من دون المساس بقدرات الأجيال المستقبلية على تلبية حاجاتها الخاصة».

إن الاستدامة تتطلب التركيز على الاستثمار المستمر في بناء البنية التحتية، وهي أحدى عناصر قوة الدول، وكذلك العلم والتعليم وتطوير المدن الصناعية المتخصصة، والتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد القوي المتميز، والقوة العسكرية، والأمن والأمان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3ntdm2sf

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"