الشارقة: «الخليج»
استضاف النادي الثقافي العربي في الشارقة ندوة نقاشية حول رواية «قبل البدء.. ملحمة فانتازية» للكاتب والفنان الإماراتي محمود جميل الرمحي، تحدث فيها كل من الدكتور عمر عبد العزيز، والكاتب أحمد السلامي الذي قُرئت مداخلته نيابة عنه، وذلك بحضور المؤلف، وأدار الأمسية الإعلامي يبا الحسن، الذي استهل الحديث قائلاً: إن بنية الرواية «تركزت على الفانتازيا الاستشرافية المتسائلة، في فضاء متنوع، جال فيه الكاتب في عوالم سردية دارت حول أسئلة الوجود والحياة ومستقبل كوكبنا الذي نعيش عليه، عبر لغة سردية سلسة».
وأضاف الحسن أن الرمحي هو كاتب ومهندس معماري وفنان تشكيلي، وعضو مؤسس في جماعة أصدقاء الفن في أبوظبي 1986، وجماعة جدار الفنية 1994، وحاصل على عدة جوائز وأوسمة في مجال الفن والعمارة.
في مداخلته أشاد الدكتور عمر عبد العزيز بالجهد الكبير الذي بذله الكاتب في صناعة توليفة سردية ذات أبعاد فلسفية وثقافية متعددة، حيث تتواشج في الرواية عوالم من ثقافات غربية وشرقية، بعضها يعود إلى عصر التنوير والفلسفة الوضعية وعلوم الجغرافيا والعمارة، وبعضها يعود إلى التصوف الإسلامي والروحانية الشرقية وعوالم الماورائيات، وبعضها إلى التاريخ الثقافي للمنطقة العربية بما في ذلك تاريخ بابل وتدمر ومصر القديمة وإفريقيا، وتاريخ الهند والصين، وغير ذلك من العوالم المرتبطة بحركة الأفكار والروحانيات، كما أشاد عمر بسلاسة اللغة السردية للكاتب، حيث حافظ على مستوى اللغة فلم تكن فيها عوائق من صعوبة أو ابتذال.
وتوقف الدكتور عمر عند تقنيات السرد في الرواية، مشيراً إلى أن التحدي الذي يواجه أي كاتب في مثل هذا الكم الهائل من الاحتشاد المعرفي والثقافي وحشد الشخصيات والأحداث والعوالم المختلفة هو كيف ينسج رواية متماسكة ويسير بها إلى النهاية في خط متنامٍ، وقد واجه الكاتب الرمحي هذا التحدي، ما أثر على البنية السردية لروايته في بعض المواضع وجعل السرد يسير أفقياً بدلاً من أن يظل متنامياً صاعداً، لكنّ ذلك لا يغض من قيمة هذا العمل الموسوعي.
*استيطان التاريخ
وتحدث الكاتب أحمد السلامي، في ورقته قائلاً: «قليلة هي الأعمال الأدبية والفنية التي تنجح في استيطان الذاكرة، فبمجرد مرور أيام ننسى أحداث الرواية إذا لم تلفت انتباهنا، وننسى الفيلم السينمائي إذا لم يغرس مشاهده وأحداثه في مخيلاتنا، أربط هنا بين ما يبقى من السرد المكتوب والسرد المرئي في الذاكرة، في سياق الإشارة إلى الأثر الذي تركته في ذاكرتي رواية الرمحي، التي ينهل أسلوبها ومضامين خطابها من الصور السينمائية المشهدية التي تحفر عميقاً في ذاكرة المتلقي، وذلك يعني أننا بإزاء رواية يمكنها أن تحيا حياة ثانية في وعي القارئ بعد أن يفرغ منها، إذ تلتصق به أسئلتها وتلاحقه بما تطرحه من احتمالات تتهدد حياة البشر على هذا الكوكب»
وأضاف السلامي: «يمكننا الاعتماد على القراءة الكلية لهذا النص والاطلاع على عوالمه وتشعباته من منظور القيمة الجوهرية التي يمثلها، لتقديم إضاءة على رسائله التي تمتزج فيها جماليات السرد بالتخييل وعمق الفكر ومساحات الفن والإبداع، فنحن أمام استشرافية مهمومة بالمستقبل وإعادة إيقاظ الإنسانية لتلتفت إلى سلوكها التدميري الذي يقودها إلى الفناء، رواية مبنية على التخييل وابتكار العوالم الموازية، تتقاطع مع اشتغالات فكرية وفلسفية، تناولت من زوايا مختلفة موضوعات تتصل بنهاية التاريخ ودورة حياة الكوكب وغيرها من المتواليات الكونية، ولطالما ظل النقد ينظر إلى الأدب بوصفه مساحة لاختزان جماليات التعبير الإنساني من الزاوية التي تفصل الإبداعي عن المعرفي، وتُبْقِي على حقول العلم والمعرفة سجينة الكتب والمؤلفات البحثية المتخصصة في مختلف جوانب العلم، بينما تدع للأدب والفن مهمة التحليق في عوالم النفس البشرية وتحليل الصراعات والعواطف والمواقف الإنسانية، لكن الرمحي في رواية «قبل البدء» اتخذ من الخيال الروائي والبعد الملحمي القائم على الفنتازيا منطلقاً إلى أنسنة بعض العلوم والطاقات الخارقة التي يبشر النص بأن الإنسان سيتوصل إليها أو أنه يمتلكها بالفعل، حيث وقف كاتب الرواية على الحافة التي مكّنته من توظيف خياله وثقافته العلمية وخبرته الهندسية والفنية والأدبية في عمل مختلف».
أما الكاتب محمود الرمحي فقال في تعقيبه على المداخلات: «أنا في الأصل حكّاء محب للسرد، وقد تعودت في جلساتي الخاصة وحديثي مع أطفالي أن أتخيل قصصاً وعوالم خيالية وأحكي لهم عنها، وعبر عقود تشكلت لدى الكثير من الحكايات والقصص دوّنتُ بعضها وبعضها الآخر ظل في ذاكرتي، وكلها قصص تدور حول التجربة الوجودية للإنسان والسعي البشري المتصاعد لتدمير الحياة والبيئة الطبيعية، ذلك التدمير الذي ينذر بنهاية وشيكة، فكيف يمكن الخروج منه؟ كيف يمكن ردع هذا الشره التدميري لدى البشر؟ وما مآلات الإنسانية؟ هذه الأسئلة هي التي تشغلني، وقد قررت في النهاية أن أجمع تلك التوليفة القصصية بأسئلتها هذه في شكل نص سردي متواصل، في محاولة لإثارة الأسئلة والشجون لدى القارئ وإنذاره بالكارثة، لعل ذلك يساهم في إيقاف النزيف؛ نزيف إفساد الإنسان في الأرض».