سيناريو الغياب

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.باسمة يونس

أسهل وصف لسؤال «ماذا لو اختفت الإنترنت» أنه وصفة لكارثة وسيناريو رهيب يخشاه من لا يرغبون في النهوض من على أريكة المنزل للخروج وقضاء حاجياتهم، ومن ارتبطوا بصداقات مع أشخاص يعيشون في بلدان أخرى ولم يعد لديهم أصدقاء حقيقيون قريبون حتى من أدمنوا متابعة حيوات شخصياتهم المفضلة وجديد المنتجات التي تطرح في السوق كل ثانية.

ولن يتمكن قراء الصحف الذين اعتادوا على التنقل بين أخبار العالم من قراءة أكثر من صحيفة ورقية واحدة، وستضيع المعلومات المخزنة في محركات البحث ويصاب من تخلصوا من الكتب بفقدان المعلومات الأساسية وارتباك حياتهم بدونها.

وستعود كتابة الرسائل الحافلة بأخطاء إملائية لا تصدق بعد اختفاء المساعدة الإملائية الآلية، وكراسات حفظ أرقام الهواتف ومتابعة المواقع في ظل غياب الهواتف الذكية التي لا تعمل إلا مع الإنترنت.

ولن تستخدم الحواسيب إلا للعمل ولن تستخدم الهواتف إلا لإجراء مكالمات هاتفية ضرورية، وستعود قراءة الكتب للواجهة ولكن بدون أخبار من العالم أو حالة الطقس ولا بريد إلكتروني ولا محادثات ولا اجتماعات عن بعد.

وربما يكون أصعب ما سيحدث اختفاء مواهب معظم المشاهير الذين استحقوا شهرتهم باستخدام ماوفرته لهم الإنترنت من أدوات وتسهيلات، وسيتعين عليهم تطوير مهارات جديدة تسمح لهم بالبقاء في مواقع الشهرة وجني المال.

ولأن الناس لن يتوقفوا عن الشراء، ومع اختفاء التجارة عبر الإنترنت سيعود البريد العادي للواجهة وستختفي الكثير من امبراطوريات التجارة الإلكترونية التي رفعت أصحابها إلى أعلى قمم النجاح والشهرة والثروة، ماعدا من يستطيعون من خلال شراء قنوات التلفزيون البقاء في الصدارة.

وسيعود الناس للسير في الشوارع وتأمل ما حولهم بدلاً من شاشات الهواتف والتحدث معاً بدلاً من التحدث عبرها، وستعود رحلات العائلات إلى الحدائق والمتنزهات لقضاء عطلات نهاية الأسبوع وستعاود محلات تأجير الأفلام وأشرطة الأغاني أعمالها.

وأسوأ ما سيحدث قطع الاتصالات المباشرة مع العائلة البعيدة وانتظار الرسائل التي تحتاج إلى مدة طويلة للوصول والذهاب إلى المصارف والمؤسسات لإتمام المعاملات التي يمكن إنجازها في المنزل، واستغراق زمن طويل في الطرق بعد اختفاء الخرائط الإرشادية المشغلة عبر الإنترنت.

أما أكبر الخسائر فتقع على من صنعوا حياتهم المهنية خلف كواليسها ولم تعد لهم وظائف بعد أن احتلها آخرون تمكنوا من احترافها، وستخسر الشركات الكبرى من عائدات الإعلانات لأن الخدمات المصرفية والهواتف تعتمد جميعها على الإنترنت لتعمل.

ولن يتنفس الصعداء سوى من خاضوا معركة رفض احتلال الإنترنت عقولهم فسيصبح بإمكانهم الاستفادة من الوقت الذي كانوا يقضونه في النقر على الأزرار ومتابعة تحديثات التكنولوجيا في قراءة عدد غير محدود من الكتب، وربما الكتابة والتأليف والالتقاء بعدد كبير من الأصدقاء وأحيانا الخروج بابتكارات فنية جديدة.

وأفضل ما قد يحدث توقف الشائعات والأخبار المشكوك في صحتها والتي تنشر لجذب المتابعين وزيادة أعدادهم، وإعادة تخصيص الحواسيب والأنظمة المعلوماتية للعلم والاختراعات والاكتشافات الطبية بدلاً من الترفيه.

ورغم ذلك، وبينما يعتقد الكثيرون بأن الأمر لا يبدو سيئاً للغاية، لكنه لن يلغي عظمة اختراع الإنترنت والفرق الذي يمكن أن يحدثه في حياتنا إذا اختفت التطبيقات الرائعة التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من روتين يومنا، وسهلت علينا الكثير من تعقيدات العمل وأصبح هناك جيل كامل يعتمد عليها اعتماداً كلياً، فضلاً عن كارثة توقف شبكات الكهرباء الحديثة التي تنسق محطات توليد الطاقة ومحطات الكهرباء الفرعية وخطوط أنابيب الغاز ومحطات البنزين لضخ الوقود والتي تعتمد جميعها على الإنترنت.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/cwwem5x3

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"