عادي

عذب الكلام

22:42 مساء
قراءة دقيقتين
4

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

  • في رحاب أمّ اللغات

من فنّ «الإغراب» في البلاغة، وهو أن يكون التركيبُ والمعنى غيرَ مألوفين، قول عَنان النّاطفيّة:

أَيْنَ مَكانُ السُّلوِّ مِنْ عَذْلي

حتّى أَراهُ إنْ كانَ يَصْلُحُ لي

والأَهْيَفُ الأَغْيَدُ الأَغَنُّ على

حالَتِهِ في الصُّدودِ لَمْ يَحُلِ

كأنَّهُ حينَ لا احْتِفالَ بِهِ

جاءَ على فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ

وقول قّيس بن الملوّح:

مَحا حُبُّها حُبَّ الأُلى كُنَّ قَبْلَها

وحَلَّتْ مَكاناً لَمْ يَكُن حُلَّ مِن قَبلُ

فَحُبّي لَها حُبٌّ تَمَكَّنَ في الحَشا

فَما إِنْ أَرى حُبّاً يَكونُ لَهُ مِثلُ

  • دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر

إلياس أبو شبكة

(بحر الكامل)

الشّاعِرانِ تَبارَكَ الغَزِلانِ

طَرْفي وطَرْفُكِ حينَ يَلْتَقِيانِ

عَيْنايَ في عَيْنَيكِ أَشْعُرُ ما يَرى

قَلْبي وأَنْقى ما يُذيبُ حَناني

يا خَيْرَ مَنْ حَنَّت إِلَيْها مُهْجَةٌ

وأَحَبَّ مَنْ غَزَلَتْ لَها عَيْنانِ

اللهَ مِنْ قُبَلٍ طَرَفْتُ بِها دَمي

قوتاً ولَمْ تَدنَس بِها الشَّفَتانِ

أَرْسَلْتُ فيكِ الشِّعْرَ عَفْوَ سَليقَتي

والفَنُّ أَخْلَصُهُ مِنَ الوُجْدانِ

لَمْ أَغْتَصِبْ حِبَرَ الكَلامِ وإِنَّما

عَيْنايَ مِنْ عَيْنَيكِ تَغْتَرِقانِ

أَتَلومُني حِطَمُ النِّساءِ فإِنَّني

خَلَلَ المَلامِ نَشَقْتُ عُرْفَ زَواني

ورَأَيْتُ أَشْواقاً تَوَدُّ لَوَ انَّها

ريحٌ يَمُرُّ عَبيرُها بِبَياني

  • من أسرار العربية

في الفروق بَيْنَ (سَدّ وصَدّ): سَدّ: ما يسهُل إيقافُه وإغلاقُه، مِثل رأس القارورة، الباب، وغيرهما. أمّا صدّ: فلما يصعُب إيقافُه وإغلاقُه، مِثلُ الجَبَل، والوادي. بَيْنَ (نَضَحَ ونَضَخَ) النَّضْحُ: الرَّشُّ. نَضَح عليه الماءَ يَنْضَحُه؛ قال أبو الطيّب:

تَنْضَحُ ذِفْرَاهُ بِمَاءٍ صَبِّ

مِثْلِ الْكُحَيْلِ أَوْ عَقِيدِ الرِّبِّ

(رِبُّ السَّمْن والزَّيْت: ثِفْلُهُ الأسود)

أما النَّضْخ (بالخاء)، فهو شدّة فَوْر الماء في جَيَشانه وانْفجاره من يَنْبوعِه.

كلماتٌ مَنحوتة: «جَحْدَلٌ»: سَمين، الدّال زائدةٌ، وهو من السِّقاء الجَحْل: العظيم، ومن قولهم مَجدول الخَلْق.

جُنْدَبٌ: الجَرادَة. نونه زائدةٌ، من الجَدْب؛ وذلك أنّ الجَراد يَجْرُد فيأتي بالجَدْب.

  • هفوة وتصويب

كُثُرٌ يستخدمون هذا التعبير «طالَما أنا حَيٌّ، فسأجتهد..» وهو خطأ، لأنّ الأفعال «طالَ وقَلَّ وكَثُرَ» لا تحْتَاج إِلى فَاعل ويَجِيء بعدها فعل نَحْو «طالَما انْتَظَرْتُك»، بمعنى «انتظرتك كثيراً»، قال الشاعر:

تَقَبَّلْتَها عن أُمَّةٍ لك طالَما

تُنوزِعَ بالأَسْواقِ عنها خِمارُها

والصواب القول: «مادُمْتُ حيّاً فَسأَجْتَهِدُ».

وآخرون يقولون «تكبّدَ العاشقُ الشّوْقَ» بمعنى «قاسى»، وهي خطأ؛ لأن «تَكَبَّدْتُ الأَمرَ»: قصدته. وتَكَبَّدَ الفَلاةَ إِذا قصدَ وسَطَها ومعظمَها. والصَّوابُ «كابَدَ الشوقَ مُكابَدَةً وكِباداً: قاساهُ، والاسمُ: الكابِدُ»؛ قال الأَبْله البّغداديّ:

لا يَعْرِفُ الشَّوْقَ إلّا مَنْ يُكابِدُهُ

ولا الصَّبابَةَ إلّا مَنْ يُعانيها

  • من حكم العرب

ولَيْسَ الغِنى إِلّا غِنَى العِلْمِ إِنَّهُ

لِنورِ الفَتى يَجْلو ظَلامَ افْتِقارِهِ

ولا تَحْسَبَنَّ العِلْمَ في النّاسِ مُنْجِياً

إِذا نُكِّبَتْ أَخْلاقُهُمْ عَنْ مَنارِهِ

البيتان لمعروف الرّصافي، يقول إنّ الثراء الحقيقيّ، هو ثراء العلم. وهذا العلم، إن لم يكن مُحصَّناً بالأخلاق الرفيعة، فإنّ مصير حامليه الهاوية السحيقة.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"