د. رامي كمال النسور*
في ظل موجة الحر التي تشهدها منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، فإنني أرى أن هذا ظاهرة طبيعية على الأقل في منطقة الخليج، أما ما شهدته منطقة الخليج العربي في فصل الشتاء من تغيرات مناخية كبيرة كان آخرها منخفض الهدير الذي جاء برياح وأمطار غزيرة تعادل أمطار عدة سنوات في يوم واحد فقط لم تشهد المنطقة مثلها من قبل على الأقل خلال سنوات طويلة.
ومنطقة الخليج، المعروفة بمناخها الجاف واقتصاداتها الغنية بالنفط، بدأت تشهد تغيرات كبيرة في أنماطها المناخية، لها تأثيرات بعيدة المدى على بيئتها واقتصادها وسكانها. يتجلّى في تغير المناخ في أشكال مختلفة، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة، وتغير أنماط هطول الأمطار، وزيادة تواتر الظواهر الجوية الجديدة. وتطرح هذه التغيرات تحديات كبيرة على المنطقة، مما يدفع الحكومات والمجتمعات إلى التكيف والتخفيف من آثارها.
من أبرز آثار تغير المناخ في منطقة الخليج ارتفاع درجات الحرارة. وتعد المنطقة بالفعل واحدة من أكثر المناطق حرارة على وجه الأرض، حيث تتجاوز درجات الحرارة في الصيف بانتظام 45 درجة مئوية وشهدنا في الصيف درجات حرارة وصلت إلى 60 درجة مئوية وتتوقع النماذج المناخية أن هذا الارتفاع قد يتكرر في فصول الصيف المقبلة.
وبنفس الوقت وعلى الرغم من أن منطقة الخليج هي منطقة قاحلة في الغالب، إلا أنها شهدت تغيرات في أنماط هطول الأمطار بسبب تغير المناخ. وتشمل هذه التغيرات هطول أمطار غزيرة غير متوقعة تسبب فيضانات مفاجئة. ويؤثر سقوط الأمطار بهذه الكميات الضخمة في إدارة الموارد المائية والزراعة والتخطيط الحضري. خاصة بالنسبة للمنطقة التي تعتمد بشكل كبير على محطات تحلية المياه والمياه الجوفية لإمدادها بالمياه العذبة، ومن ثم فإن أي تغير في هطول الأمطار له آثار كبيرة.
وأخيراً فإن منطقة الخليج، بسواحلها الممتدة وأعداد كبيرة من السكان الذين يعيشون في المناطق الساحلية، معرضة لتأثيرات ارتفاع منسوب مياه البحر. حيث تواجه بعض المدن مثل ما حدث في مدينة مسقط قبل عدة سنوات خطر الفيضانات الساحلية، والتي يمكن أن تلحق الضرر بالبنية التحتية، وتعطل بعض الأنشطة الاقتصادية وهذا يؤدي إلى رفع التكلفة الاقتصادية لحماية البنية التحتية أو نقلها.
والحقيقة أنه استجابة للتهديدات الوشيكة التي يشكلها تغير المناخ، بدأت دول الخليج في اتخاذ خطوات مهمة نحو التكيف والتخفيف. تتزايد الاستثمارات في مشاريع الطاقة المتجددة، مع كون الطاقة الشمسية قابلة للتطبيق بشكل خاص بسبب العدد الكبير من الأيام المشمسة في المنطقة. وتقوم دول مثل الإمارات والسعودية أيضاً بتنفيذ مشاريع طموحة لتخضير صحاريها وتحسين احتجاز الكربون.
وتشمل استراتيجيات التكيف أيضاً تحسين إدارة المياه من خلال تعزيز تقنيات تحلية المياه، وإعادة تدوير المياه، وطرق الري الأكثر كفاءة لمعالجة التقلبات في هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة. ويأخذ التخطيط الحضري الآن على نحو متزايد في الاعتبار القدرة على التكيف مع تغير المناخ، مع التركيز على بناء البنية التحتية القادرة على تحمل الظواهر الجوية المتطرفة ودرجات الحرارة.
يطرح تغير المناخ في منطقة الخليج تحديات وفرصاً على حد سواء. ورغم أن التأثيرات التي تتراوح بين الحرارة الشديدة إلى تغير أنماط هطول الأمطار وارتفاع مستويات سطح البحر تشكل تهديدات، فإنها تحفز أيضاً الابتكار واستراتيجيات التكيف في مجالات الطاقة، وإدارة المياه، والتخطيط الحضري. إن استجابة منطقة الخليج لتغير المناخ لن تؤثر فقط في استدامتها وازدهارها في المستقبل، بل يمكن أن تكون أيضاً بمثابة نموذج لبيئات مماثلة في جميع أنحاء العالم تواجه تأثيرات نفس الظروف.
في الختام وفي ضوء التغيرات المناخية التي تشهدها المنطقة فإنني أقترح ما يلي لمواجهة الارتفاع الكبير في كميات الأمطار:
العمل على تعلية السدود القائمة في المنطقة حيث لاحظنا أن عدداً كبيراً من هذه السدود قد فاضت وعند رفعها نحقق فائدتين الأولى تخفيف كمية مياه الأمطار الفائضة والثانية الاستفادة منها.
ضرورة العمل على عمل شبكات تصريف مياه الأمطار وتوجيهها للاستفادة منها مثل تخزينها كمياه جوفية يمكن الاستفادة منها مستقبلاً.
تحديث معايير ومواصفات البناء في جميع دول الخليج قاطبة بحيث يتم مراعاة نزول مثل هذه الأمطار مع ما يتطلبه ذلك من إعادة النظر في معايير الأساسات والكهرباء وأعمال التكييف وغيرها.
تحديث مواصفات البناء فيما يتعلق بالواجهات الزجاجية التي تنتشر في دول الخليج بحيث تراعي من الآن فصاعدا حدوث مثل هذه العواصف.
تحديث مواصفات المظلات التي تنتشر في مناطق الفلل أو المواقف الخارجية بحيث تتحمل كميات الأمطار الكبيرة والرياح القوية.
عدم السماح بالمطلق بالبناء في أماكن جريان الأودية حتى لو كانت الأودية قد توقفت عن الجريان مدة طويلة؛ ففي النهاية يبقى «مجرى الوادي وادياً» ولو غابت المياه عن الجريان في مئة عام.
* مستشار الأسواق المالية والاستدامة