كلايد راسل *
يبحث «حزب العمال الأسترالي»، وهو من الأحزاب المعارضة الرئيسية في البلاد، تعزيز ملف الطاقة النووية السلمية، ملتزماً ببناء سبع محطات توليد جديدة تحل محل الفحم، لو تسنى له الفوز في الانتخابات الفيدرالية المقبلة.
كما أعلن «الحزب الليبرالي المحافظ»، وشريكه الإقليمي الأصغر «الحزب الوطني» عن خطط لبناء خمس محطات نووية كبيرة الحجم في ولايات شرق أستراليا كوينزلاند، ونيو ساوث ويلز، وفيكتوريا، بالإضافة إلى مفاعلات صغيرة معيارية في مناطق جنوب وغرب البلاد.
فإذا قررت كانبرا فعلاً فتح حوار حقيقي يستهدف شكل التوليد الأفضل والبديل لأسطول أستراليا القديم وغير الموثوق من مُولدات الفحم، فعليها الإجابة عن سؤالين رئيسيين. الأول، ما هي التكلفة التقديرية لمشاريع توليد الطاقة البديلة؟ والثاني، ما هو الوقت اللازم لبنائها؟ ليس فقط لاستبدال محطات الفحم، بل أيضاً لتلبية التزام أستراليا بالانبعاثات الصفرية الصافية بحلول عام 2050.
بالطبع، رفض الحزبان الليبرالي والوطني، المعروفان ب «الائتلاف»، تقديم أي تكاليف لخططهما، لكن زعيم الأول بيتر داتون اعترف بأنها ستكون باهظة الثمن، لكنها ستوفر في المقابل طاقة أرخص للأستراليين.
بطبيعة الحال، لا يوجد تحليل موثوق يدعم تأكيد داتون، مع تباين التقديرات بشأن تكلفة بناء توليد الطاقة النووية، لكن من المؤكد أن تكلفتها أعلى بكثير من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المدعومة بتخزين البطاريات، بالإضافة إلى الطاقة الكهرومائية.
وقدرت منظمة الكومنولث للبحوث العلمية والصناعية في أستراليا، أن الطاقة النووية الجديدة ستكون أغلى مرتين من الطاقة المتجددة المدعومة بالتخزين، وكان هذا أفضل سيناريو قائم على تحقيق وفورات من برنامج بناء طويل الأمد ومستمر.
وقال الائتلاف إنه سيكون قادراً على تشغيل محطات الطاقة النووية بين عامي 2035 و2037، هذا على فرض أنه شرع بتنفيذ سياسته فور هزيمة حزب العمال الحاكم في الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في النصف الأول من عام 2025. دون توضيح كيفية تجاوز الكثير من العقبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحول دون تنفيذ مشاريع كهذه.
نظرياً، من الممكن بناء محطات طاقة نووية تبلغ قدرتها 7 غيغاوات في هذا الإطار الزمني. لكن على أرض الواقع، سيكون ذلك إنجازاً لا يصدق، يتعارض مع التجارب الأخيرة لدول غربية متقدمة أخرى.
فلطالما أخفقت محطات الطاقة النووية في تحقيق أهدافها، سواء من حيث الميزانية أو الوقت، خذ محطة «هينكلي بوينت سي» البريطانية على سبيل المثال، والتي أُعلن تأجيل إطلاقها إلى عام 2029 على أقرب تقدير، مع تضاعف تكلفتها الإنشائية إلى نحو 35 مليار جنيه استرليني (44.3 مليار دولار) عن الميزانية الأولية المقررة. ومن المتوقع أن يشكل ذلك ضغطاً إضافياً على الحكومة البريطانية التي قد تضطر إلى تقديم المزيد من الدعم المالي.
ومن العقبات أيضاً، أنه يُحظر حالياً توليد الطاقة النووية بموجب القانون الفيدرالي، وحتى الآن رفض حكام ولايات نيو ساوث ويلز، وفيكتوريا، وكوينزلاند، أي محطات نووية. ما يعني أن الحزبين، الليبرالي والوطني، سيضطران إلى تمرير تشريعات داعمة عبر مجلس الشيوخ، حتى ولو فازا في الانتخابات.
وهذا يعني أن داتون، كرئيس مستقبلي للوزراء، سيضطر إلى التفاوض مع أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين، ونظراً لأن أغلبية هؤلاء إما من حزب الخضر الأسترالي أو المستقلين التقدميين، فمن المرجح أن تخفق خطته النووية عند العقبة الأولى.
كذلك، يتطلب بناء صناعة نووية استيراد قوة عاملة ماهرة من المهندسين المتخصصين بالقطاع، وغيرهم من الخبراء، وهو الأمر الذي يبدو متناقضاً مع دعوة الأحزاب المتواصلة للحد من الهجرة المتدفقة إلى البلاد.
ولا ننسى أيضاً مسألة الحجم، حيث تخطط الحكومة الائتلافية في أستراليا لبناء محطات طاقة نووية بقدرة 7 غيغاوات فقط، ما يعني ثلث القدرة الحالية التي تعمل بالفحم، والتي تبلغ نحو 22 غيغاوات. أي إن الطاقة النووية بعيدة عن استبدال الفحم، ولا تزال هناك حاجة إلى مصادر الطاقة المتجددة والتخزين أيضاً، أو سيكون هناك اعتماد أكبر على الغاز الطبيعي المكلف.
في الحقيقة، كان رد الفعل الأولي على خطط الائتلاف النووية سلبياً للغاية، وكان أحد الأصوات القليلة المؤيدة هو مجلس المعادن في أستراليا، وهي جماعة ضغط تضم عمال مناجم الفحم. وبينما لم يذكر المجلس ذلك في بيانه الإعلامي، فإن جزءاً من دعمه للطاقة النووية يرجع إلى إدراكه أن السير في هذا المسار يعني على الأرجح بقاء الفحم في مزيج توليد الطاقة لفترة أطول بكثير مما هو متوقع حالياً.
يبدو منطقياً في العموم رفض خطط الائتلاف النووية بوصفها خيالاً مكلفاً، وخاصة في بلد مثالي للغاية لتطوير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ومع ذلك، من المرجح أن يأخذ الموضوع أبعاداً سلبية، ويتحول الملف النووي إلى مباراة سياسية حزبية، يدافع فيها اليمين عن الوقود النووي والأحفوري، في حين يُصر معارضوه من اليسار على الطاقة المتجددة والتخزين.
* كاتب في (رويترز)