مع تصاعد حدة الحرب الأوكرانية، وزيادة المواجهة بين روسيا، ودول حلف الأطلسي، بعد تزويدها أوكرانيا بأسلحة جديدة والسماح لها باستخدامها في ضرب عمق الأراضي الروسية، وبعد الانتصارات التي حققها اليمين الأوروبي في انتخابات برلمان الاتحاد في التاسع من يونيو/حزيران الماضي، ساد اعتقاد أن اليمين قادر على كبح جماح الحرب والتأثير في السياسات الأوروبية الداعمة لها، لكن من الواضح أن هذه الأحزاب تفتقر إلى وحدة الموقف من الحرب من جهة، وإلى القدرة على التأثير في مجرياتها، رغم التداعيات الاقتصادية السلبية على دول الاتحاد الأوروبي والتي كان لها دور في التقدم الذي حققه اليمين.
إضافة إلى ذلك فإن القارة الأوروبية نفسها، تفتقر إلى القدرة على التصرف، وتعاني عجزاً واضحاً وغياباً شبه تام عن التأثير في الشؤون الدولية، فكيف يمكن لها أن تلعب دوراً في وقف الحرب، وقرار إدارتها ليس في برلين ولا في باريس ولا في كييف ولا في غيرها من عواصم أوروبا، بل هو قرار تمتلكه الولايات المتحدة وروسيا وحدهما.
فالولايات المتحدة تريد استمرار الحرب لإلحاق «هزيمة استراتيجية» بروسيا، فيما الأخيرة تضع شروطاً للتفاوض على أساس حدود الحرب الحالية، والاتفاق على صيغة جديدة للأمن الأوروبي. والقول إن فوز اليمين بالانتخابات قد يقصّر أمد الحرب ففيه مبالغة، رغم أنه من المفترض أن تكون الانتخابات بمكانة استفتاء على الحرب والسلام كما روجت لذلك بعض أحزاب اليمين خلال حملاتها الانتخابية.
فمثلاً، كانت رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني معارضة للحرب، أو إرسال قوات إلى أوكرانيا، لكنها باتت الآن مؤيدة للسياسة الأطلسية بالنسبة للحرب، وكذلك الحال بالنسبة لأحزاب يمينية أخرى، وهو ما يشير إليه البروفيسور هول جاردنر من الجامعة الأمريكية في باريس بقوله: «ليس من الواضح إلى أين يتجه اليمين الأوروبي
في ما يتعلق بالحرب الروسية - الأوكرانية».
يبقى أن هناك ثلاث دول أوروبية موقفها واضح في معارضة الحرب، هي المجر وصربيا وسلوفاكيا، لكنها لا تؤثر في مسارها أو في تحديد المدى الذي يمكن أن يذهب إليه حلف الأطلسي في المواجهة مع روسيا، طالما هو خاضع لاستراتيجية الحرب الأمريكية.
يبقى أن التغيير المحتمل في مسار الحرب الأوكرانية، يتوقف على احتمال فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض، خصوصاً إذا ما قرر التوقف عن إمداد أوكرانيا بالأسلحة التي تمثل الجزء الأساسي من آلة الحرب التي يخوض فيها الجيش الأوكراني معاركه الحالية، ذلك، أن الدول الأوروبية باتت عاجزة عن تقديم ما يكفي من سلاح وذخيرة تحتاج إليه أوكرانيا، كما أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفي حال حقق اليمين فوزاً كبيراً في الانتخابات التشريعية، أو لم يحقق، لم يعد قادراً على الإمساك بالملفين السياسي والدفاعي، كما كانت الحال من قبل، وبالتالي المضي في سياسته الداعمة لأوكرانيا، لأن الحكومة الجديدة التي سيشكلها أياً كانت، قادرة على كبح جماح سياساته.