إعداد: فوّاز الشعّار
لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.
- في رحاب أمّ اللغات
من أجمل شِعْر العرب في وصف العُيون:
قال ابن الرومي:
نَظَرَتْ فَأَقْصَدَتِ الفؤادَ بِطَرْفِها
ثُمَّ انْثَنَتْ عَنّي فَكِدْتُ أَهيمُ
وَيْلاه إنْ نَظَرَتْ وإنْ هِيَ أَعْرَضَتْ
وَقْعُ السِّهامِ ونَزْعُهُنَّ أَليمُ
وقال صفيُّ الدين الحِلّي:
كُفّي القِتالَ وفُكّي قَيْدَ أَسْراكِ
يَكْفيكِ ما فَعَلَتْ بِالنّاسِ عَيْناكِ
كَلَّت لِحاظُكِ مِمّا قَدْ فَتَكْتِ بِنا
فَمَنْ تُرى في دَمِ العُشّاقِ أَفتاكِ
- دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر
قِفْ بِالمَنازِلِ
عَنْتَرة بنُ شدّاد
(من الكامل)
قِفْ بِالمَنازِلِ إِنْ شَجَتْكَ رُبوعُها
فَلَعَلَّ عَيْنَكَ تَسْتَهِلُّ دُموعُها
واسْأَل عَنِ الأَظْعانِ أَيْنَ سَرَتْ بِها
آباؤُها ومَتى يَكونُ رُجوعُها
دارٌ لِعَبْلَةَ شَطَّ عَنْكَ مَزارُها
ونَأَتْ فَفارَقَ مُقْلَتَيْكَ هُجوعُها
يا عَبْلَ لا تَخْشَي عَلَيَّ مِنَ العِدا
يَوْماً إِذا اجتَمَعَتْ عَلَيَّ جُموعُها
إِنَّ المَنِيَّةَ يا عُبَيْلَةُ دَوْحَةٌ
وأَنا ورُمْحي أَصْلُها وفُروعُها
وغَداً يَمُرُّ على الأَعاجِمِ مِنْ يَدي
كَأسٌ أَمَرُّ مِنَ السُّمومِ نَقيعُها
وأُذيقُها طَعْناً تَذِلُّ لِوَقْعِهِ
ساداتُها ويَشيبُ مِنْهُ رَضيعُها
يا عَبْلَ لَوْ أَنَّ المَنِيَّةَ صُوِّرَت
لَغَدا إِلَيَّ سُجودُها ورُكوعُها
وَسَطَتْ بِسَيْفي في النُفوسِ مُبيدَةً
مَنْ لا يُجيبُ مَقالَها ويُطيعُها
- من أسرار العربية
في نطق الأحرف اللّثوية، يحدث التباس وخلط، في معنى بعض الكلمات.. نأخذ على سبيل المثال فعلي «نَبَذَ» و«نَبَزَ».. في صحيح اللغة: نَبَذَ الشيء ينْبِذُه نَبْذاً: أَلقاه من يده وأبعده. ويقال نَبَّذه، للكثرة والمبالغة. وجلس نَبْذةً ونُبْذَةً أَي ناحية. وانتبذ عن قومه: تنحّى.
أمّا نَبَزَهُ يَنْبِزُه، فتعني لَقَّبَه. ويقال نَبَزَ اللئيمَ في حسبه وخلقه، نَبْزاً. وتَنابَزُوا بالأَلقاب أَي لَقَّبَ بعضهم بعضاً.
وهناك فعلا «نَبَثَ» و«نبَسَ».. نَبَثَ التّرابَ يَنْبُثُه نَبْثاً، استخرجه من بئر أَو نهر، وهي النَّبيثَةُ والنَّبيثُ والنَّبَثُ، وجمع النَّبَثِ: أَنْباثٌ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
حتى إِذا وَقَعْنَ كالأَنْباثِ
غَيرَ خَفِيفاتٍ ولا غِراثِ
وَقَعْنَ: اطْمَأْنَنَّ بالأَرض بعد الرّيّ. والنّبيثةُ: تُراب البئر والنّهر والجمع نَبائث. أما نَبَسَ يَنْبِسُ نَبْساً، فيعني تحرّكت شفتاه بأَقلّ الكلام.. وما نَبَسَ بكلمة أَي ما تكلّم.
- هفوة وتصويب
يقول بعضُهم «رَئَس فلانٌ الجلسة».. بمعنى كان رئيسها، وهي خطأ، لأنّ الفعل رَأَسَ بفتح الهمزة وليس بكسرها.. وفي صحيح اللغة «رَأَسَ فلانٌ القَوْمَ يَرْأَسُهم»، رئاسةً ورِياسةً، وهو رَئِيسُهُمْ. وتخفّف الهمزة أحياناً، فيقال: «رَيِّسٌ»؛ قال الشاعر:
لا ذي تَخافُ ولا لهذا جُرْأَةٌ
تُهْدى الرَّعِيَّةُ ما اسْتَقام الرَّيِّسُ
ويقولُ آخرون «وقَدْ جَمعَ الفلّاحُ حِزْمةً مِنَ الْحَطبِ» (بكسر حاء «حِزْمة»)، وهي خطأ، والصّواب ضمُّها «حُزْمَة»، وفي المعاجم: حَزَمْتُ الشَّيْءَ حَزْماً، أي شَدَدْتُه. والحَزْمُ: ضَبْطُ الرجلِ أمرَه وأخذُه بالثقةِ. وحَزُمَ، يَحْزُمُ حَزْماً وحَزامَةً وحُزُومة.
والحَزْمُ من الأرض أرفعُ من الحَزْنِ. والجمع حُزومٌ؛ قال لَبيد:
فَكَأَنَّ ظُعنَ الحَيِّ لَمّا أَشرَفَت
بِالآلِ وارْتَفَعَت بِهِنَّ حُزومُ
نَخْلٌ كَوارِعُ في خَليجِ مُحَلِّمٍ
حَمَلَت فَمِنْها موقِرٌ مَكمومُ
- من حكم العرب
لا تَلْقَ دَهْرَكَ إِلّا غَيْرَ مُكتَرِثٍ
مادامَ يَصْحَبُ فيهِ روحَكَ البَدَنُ
فَما يَدومُ سُرورٌ ما سُرِرْتَ بِهِ
ولا يَرُدُّ عَلَيكَ الفائِتَ الحَزَنُ
البَيْتان لأبي الطيّب المتنبّي، يقول إن مواجهة مصاعب الحياة، ومشكلاتها، هي بالهدوء.. لأنّ استجرار الهموم والمشاق، لا يُوَرِّثُ إلّا الأرقَ.. أمّا التروّي، فإنّه يبعث الراحة.