الخليج - متابعات
يحيي حلف شمال الأطلسي «الناتو»، هذا الأسبوع، في واشنطن، الذكرى ال75 لتأسيسه، لكن القمة المقررة التي كان يفترض أن تعكس صورة تحالف عسكري أقوى، وأكبر، تعقد في ظل غموض بشأن أوكرانيا، ودعمها في مواجهة روسيا، وبلبلة سياسية من جانبي المحيط الأطلسي، ومطالبات من قبل دول الحلف بتوسيع نطاق نفوذه لمواجهة نفوذ الصين المتنامي في آسيا. كما يثير فوز دونالد ترامب المحتمل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/ تشرين الثاني، وهو الذي وصف في السابق حلف «الناتو» بأنه منظمة «عفا عليها الزمن»، قلقاً في بروكسل، والعديد من العواصم الأوروبية.
- سلسلة أحداث
وفي هذه المناسبة سيحوّل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، اهتمامه عن الحملة الانتخابية العسيرة التي يخوضها بعد أدائه غير المقنع في مناظرة تلفزيونية مع خصمه الرئيس السابق دونالد ترامب، ليستقبل قادة دول الحلف ال32 لثلاثة أيام، اعتباراً من الخميس.
كما يحضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القمة، بعد زلزال سياسي شهدته بلاده مع صعود اليمين المتطرف الذي بات على أبواب السلطة في الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليها.
وتتجه الأنظار أيضاً إلى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي يتولى حالياً الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، بعد الجدل الذي أثاره بقيامه، الجمعة، بزيارة إلى موسكو التقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين.
وتلقي هذه السلسلة من الأحداث بظلالها على المحادثات بين قادة الحلف الأطلسي خلال جلسات العمل، ومأدبة العشاء الرسمية، واللقاءات الثنائية على هامش القمة.
أوضاع داخلية
وقال مسؤول أوروبي، الأسبوع الماضي، طالباً عدم كشف اسمه «هناك الكثير من الأحاديث والشكوك على خلفية الأوضاع الداخلية لكل بلد»، وسيكون هدف القمة «تبديد هذه الهواجس».
وسيحرص قادة الحلف الذي تأسس عام 1949 بهدف تأمين دفاع مشترك بوجه الاتحاد السوفييتي، والذي توسع مؤخراً مع انضمام فنلندا والسويد على وقع الحرب الروسية الأوكرانية، على إثبات وحدة صف، بحسب فرانس برس.
ويبقى السؤال الكبير المطروح خلال القمة التي سيحضر إليها أيضا الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أي رسالة يمكن توجيهها لكييف تحديداً.
- مناقشات انضمام أوكرانيا
ويلوّح قادة الحلف باحتمال انضمام كييف مستقبلاً، منذ قمة فيلنيوس العام الماضي، التي لم يحصل زيلينسكي خلالها على التزام حازم بهذا الشأن.
غير أنهم غير مستعدين لإصدار دعوة فعلية للانضمام، طالما أن أوكرانيا في حرب مع روسيا.
ورأى مصدر دبلوماسي أوكراني أخيراً، أن «فرص حصولنا على دعوة للانضمام إلى الحلف الأطلسي قريبة من الصفر»، في ظل معارضة واشنطن وبرلين.
عوضاً عن ذلك، تتحدث الولايات المتحدة عن دعم يسمح بمد «جسر نحو الانضمام»، بناء على برنامج قوي من المساعدات والاتفاقات الدفاعية الثنائية، فيما تدعو عدة بلدان أوروبية إلى إدراج انضمام «لا رجوع عنه»، في البيان الختامي.
وأقرت مصادر دبلوماسية بأن الموضوع «ما زال قيد النقاش».
وأكد مسؤول أمريكي كبير أن المطلوب هو «أن تكون أوكرانيا مستعدة، مستعدة حقاً، منذ اليوم الأول، للارتباط بباقي الحلف حين يتفق الحلفاء ال32 على انضمامها».
ومن القرارات المرتقبة تولي الحلف الأطلسي تنسيق المساعدة العسكرية الغربية لأوكرانيا، وهي مهمة تتكفل بها الولايات المتحدة حالياً.
وستكون هذه سابقة بعدما أبدى الحلفاء حتى الآن تحفظات حول كل ما يمكن أن يفسر على أنه تصعيد مع روسيا.
كما يفترض أن يقر الحلف رسمياً، دعماً عسكرياً لأوكرانيا بقيمة 40 مليار يورو في السنة، وإمدادها بوسائل دفاع جوي جديدة، وفق ما أورد دبلوماسيون.
- عين على آسيا
ويدعو الأمين العام المنتهية ولايته للحلف الأطلسي، ينس ستولتنبرغ،الذي سيخلفه الهولندي مارك روته في أكتوبر/ تشرين الأول، إلى إضفاء طابع «مؤسساتي» على دعم الحلف.
والهدف أيضاً هو حماية الحلف من المتغيرات السياسية في ضفتي الأطلسي، في وقت يتخوف الحلفاء الأوروبيون من احتمال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وهو المعروف بمواقفه التي «لا يمكن التكهّن بها».
واستجاب الأوروبيون، في هذه الأثناء، للدعوات إلى زيادة إنفاقهم العسكري، ما سيشدد عليه الحلف، هذا الأسبوع.
والموضوع الآخر الكبير المطروح سيكون اليد الممدودة للدول الشريكة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مع دعوة قادة اليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، ونيوزيلندا، للمشاركة في القمة الخميس، إلى جانب الاتحاد الأوروبي.
ويحصر الحلف الأطلسي نطاق عمله جغرافياً بمنطقة أوروبا والمحيط الأطلسي، لكن الولايات المتحدة دعت مراراً الحلف للتصدي لتصاعد النفوذ الصيني.
وترى دول مثل فرنسا أن لا دخل للحلف في هذه المنطقة، لكنها تدعوه إلى توسيع تعاونه من خلال الانخراط أكثر في مجالات، مثل الإنترنت، والفضاء التكنولوجيا.
ومن المتوقع أن تصدر القمة إدانة حازمة للدعم الصيني لروسيا الذي يسمح، برأي الدول الغربية، لموسكو في الاستمرار في مجهودها الحربي.
- ترامب ونفقات الناتو
وفي مواجهة التهديد الروسي وشبح عودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض، تنفق الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، على دفاعها أكثر مما فعلت في أي وقت مضى في تاريخها.
لكن التزامها هشّ ويخضع للتقلبات الانتخابية، وهو من دون شك غير كاف في عالم يزداد خطورة.
ويثير فوز ترامب المحتمل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/ تشرين الثاني، وهو الذي وصف في السابق حلف الأطلسي بأنه منظمة «عفا عليها الزمن»، قلقاً في بروكسل والعديد من العواصم الأوروبية.
ويهاجم ترامب بانتظام الجهات «التي لا تدفع كثيراً» في أوروبا، ملمّحاً إلى أنهم لن يستفيدوا بعد الآن من الحماية الأمريكية إذا لم يسددوا فواتيرهم.
وهو ليس أول رئيس أمريكي يدين عدم التزام الأوروبيين بتأمين دفاعهم عن أنفسهم. لكنه كان «صريحاً جداً ومباشراً للغاية في انتقاداته للحلفاء»، كما ذكر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، في مقابلة مع وكالة فرانس برس، الأسبوع الماضي.
ولرد على هذه الانتقادات، حدد حلف شمال الأطلسي في 2014 هدفاً للتكتل هو تخصيص 2% على الأقل من إجمالي ناتجه الداخلي للنفقات العسكرية. وقبل عشر سنوات، كانت ثلاث دول فقط تحترم هذه العتبة، وباتت اليوم 23 من أصل 32.
- دول مترددة
وقال ستولتنبرغ «نحن في وضع أفضل لإثبات أن (...) الولايات المتحدة لا تتحمل وحدها عبء» النفقات.
وأورد إيان ليسر، خبير حلف شمال الأطلسي في صندوق مارشال الألماني، وهو مؤسسة بحثية أمريكية، «حتى في الدول المترددة في إنفاق المزيد على الدفاع، هناك الآن شعور بالحاجة الملحة إلى زيادة الإنفاق العسكري بشكل كبير».
وأضاف «أعتقد أنه، بشكل تقريبي، سيكون لدينا في السنوات المقبلة مستوى من الإنفاق العسكري يكون أقرب إلى ما عرفناه خلال الحرب الباردة».
وتلك هي رغبة دول البلطيق وبولندا، التي تعتبر تقليدياً، مشككة جداً حيال روسيا.
وذكرت رئيسة وزراء إستونيا، كايا كالاس، الأسبوع الماضي خلال زيارة لمقر الحلف أنه «عام 1988، كان جميع الحلفاء ينفقون أكثر من 2%، وفي الواقع نحو 6% على دفاعهم لأن التهديد كان حقيقياً، كانت الحرب الباردة لا تزال مستمرة».
وأضافت كالاس التي تم تعيينها للتو مسؤولة الدبلوماسية الأوروبية «الآن لدينا حرب في أوروبا، ونحن لا ننفق ما يكفي».
- 40 مليار يورو سنوياً
ويمول حلف شمال الأطلسي القسم الأكبر من المجهود الحربي الذي تبذله أوكرانيا ضد روسيا، بنحو 40 مليار يورو سنوياً، لكن يتعين عليه أيضاً تمويل استعداداته الخاصة لصراع محتمل مع موسكو.
وخلال قمة فيلنيوس، العام الماضي، تبنى حلف الأطلسي خططاً دفاعية جديدة لمواجهة ما أسماه «تصاعد التهديد الروسي»، منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير/ شباط/ 2022.
وأقر مسؤول عسكري كبير في الحلف قبل بضعة أسابيع بأن «الكثير من الإمكانات مطروحة على الطاولة والفاتورة باهظة». وفي هذا الإطار، يسعى الحلفاء إلى تعزيز صناعتهم الدفاعية، وستعيد قمة واشنطن التأكيد على هذا الالتزام، بحسب دبلوماسي في حلف شمال الأطلسي.
وقال دبلوماسي آخر في الحلف، إن مثل هذا المجهود الحربي يمثل عشرات، أو حتى مئات المليارات من اليورو.
وبعد سنوات من الاقتطاعات في موازنة الدفاع، لم يعد من السهل على الدول تقليص الإنفاق الاجتماعي، أو التعليم لشراء، أو إنتاج مزيد من الأسلحة.
وأكد دبلوماسي في بروكسل أن «هذا هو الاتجاه الذي نسير فيه: لتنفيذ الخطط (الدفاعية) الجديدة، من الواضح أن 2% (من إجمالي الناتج الداخلي) لن تكون كافية».
وعودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض ستؤدي حتماً إلى تسريع العملية، إذ أضاف الدبلوماسي «أعتقد أننا نسير في هذا الاتجاه، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الأمريكية، ولكن إذا فاز ترامب، فسيحدث ذلك بشكل أسرع».
- ثلاثة ملايين عسكري
بعدما أبصرت النور في بداية الحرب الباردة، باتت منظمة معاهدة شمال الأطلسي (حلف شمال الأطلسي)، أكبر منظمة عسكرية للدفاع المشترك، تضم 32 دولة عضواً في أوروبا وأمريكا الشمالية.
وتنتمي القوات المسلحة التابعة لحلف الأطلسي إلى دوله الأعضاء، وتشرف عليها قيادة موحدة للحلف في كل مرة يتم إطلاق مهمة.
وتشكل القوات الأمريكية الكتيبة الأكبر من دون منازع، وتنتشر في أوروبا عبر 79 ألف رجل، وامرأة، أكثر من 48 ألفاً منهم في ألمانيا، وفق وزارة الدفاع الأمريكية.
والمعدات العسكرية الوحيدة التي يملكها الحلف بالمعنى الفعلي هي أسطول من طائرات الاستطلاع من طراز «إواكس»، وطائرات مسيّرة.
ومع انضمام السويد الى الحلف في مارس/ آذار، أضيف 50 ألف جندي، نحو نصفهم من الاحتياط، إلى القوات المسلحة التي يمكن للحلف أن يعوّل عليها، والتي يقدر عديدها الكامل بأكثر من ثلاثة ملايين عسكري، بحسب العديد من المعاهدة المتخصصة.
- التضامن المتبادل
تأسس حلف شمال الأطلسي بموجب معاهدة وقعت في الرابع من إبريل/ نيسان 1949 في واشنطن. وكانت الغاية الرئيسية منه «احتواء الخطر السوفييتي، وتأكيد مبدأ التضامن المتبادل بين جميع أعضائه»، وفقاً لفرانس برس.
ومنذ قمة مدريد التي أعقبت اندلاع الحرب في أوكرانيا، تبنى الحلف مفهوماً استراتيجياً جديداً، يعتبر أن روسيا هي «التهديد الأكثر خطورة لأمن المنطقة الأوروبية-الأطلسية».
وأضيفت إلى مؤسسيه الاثني عشر، الولايات المتحدة، وبلجيكا، وكندا، والدنمارك، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وآيسلندا، وإيطاليا، ولوكسمبورغ، والنرويج، وهولندا، والبرتغال، عشرون دولة أخرى مع الأعوام، كان آخرها فنلندا والسويد.
وشكلت لندن أولاً مقراّ للحلف قبل أن ينتقل إلى باريس، ثم إلى بروكسل عام 1966. وتقع قيادته العسكرية في مونس البلجيكية أيضاً.
ويشغل رئيس الوزراء النرويجي الأسبق ينس ستولتنبرغ، (69 عاماً) أمانته العامة منذ 2014. وتنتهي ولايته في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، على أن يخلفه رئيس الوزراء الهولندي السابق مارك روته (57 عاماً). وتتمثل الهيئة التنفيذية الرئيسية للحلف في مجلس شمال الأطلسي.
- أبرز ما قام به الحلف
تعتبر المادة الخامسة من معاهدة إنشاء الحلف العمود الفقري للمنظمة، إذ تنص على أن أي هجوم تتعرض له دولة عضو يعتبر هجوماً على جميع الأعضاء.
وتم اللجوء إلى هذه المادة للمرة الأولى عام 2001 دعما للولايات المتحدة غداة الاعتداءات الإرهابية التي استهدفتها في 11 سبتمبر/ يلول.
وعلى مدى تاريخه، أطلق الحلف مهمات عدة، بينها تلك التي نفذها في أفغانستان بعد 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وقد انتهت في سبتمبر/ ايلول 2021 مع تعبئة نحو عشرة آلاف جندي حتى ذلك التاريخ.
والحلف موجود أيضاً في العراق، وكذلك في كوسوفو عبر نحو 4500 عنصر ينتمون إلى 27 بلداً.