خُصّت أوروبا بوصف القارة العجوز، وحول ذلك قيل أكثر من سبب، بينها قِدم حضارات القارة كالإغريقية والرومانية والبيزنطية، وهو أمر فيه قولان، لأن الحضارات الشرقية، كالفرعونية والسومرية والصينية والهندية، تضاهي في القِدم الحضارات الموصوفة أوروبية. سنبدو أكثر ميلاً للرأي الذي يعزو وصف «القارة العجوز» إلى النسبة المرتفعة لكبار السن في أوروبا، مقارنة بالتعداد الكلي لعدد سكان القارة.
يصحّ اليوم وصف أمريكا، حليفة أوروبا، وربما سيّدتها أيضاً، بالعجوز، لا بسبب عراقتها، فعمر أمريكا الحديثة يبدو متواضعاً أمام أعمار حضارات العالم الأخرى العريقة، وإنما بسبب المؤشر شديد الدلالة الذي يقدّمه عمرا المتنافسان على الرئاسة في الانتخابات القادمة نهاية هذا العام. صحيح أن الحديث يتركز اليوم على عمر المرشح المفترض للحزب الديمقراطي، الرئيس الحالي جو بايدن (81 عاماً) خاصة بعد أدائه الباعث على السخرية في المناظرة الأخيرة، لكن لا يحظى بما يستحقّه من اهتمام عمر منافسه دونالد ترامب (78 عاماً)، الذي لا ينازعه أحد حتى الآن على الأقل في تمثيل الجمهوريين في السباق الانتخابي، فالفارق في عمر الرجلين ثلاث سنوات فقط، مع الإقرار بقوّة حضور ترامب قياساً لخصمه.
عودة إلى أعمار رؤساء الولايات المتحدة السابقين، قبل ترامب وبايدن، تؤكد ما قلناه، فحسب استعراض قدّمته «ويكبيديا» لأعمار شاغلي المنصب الرئاسي منذ عام 1789، فإن متوسط أعمارهم عند توليهم المنصب لأول مرة كان نحو 55 عاماً، واللافت أنّ الرؤساء الديمقراطيين بالذات، هم الأصغر سناً قياساً إلى الرؤساء الجمهوريين، وهنا وجه المفارقة في إصرار مرشحهم الحالي، بايدن، على الاستمرار في الترشح رغم اتساع الاعتراضات على ذلك داخل حزبه، بسبب تقدّم عمره.
ولتكوين صورة بانورامية عن أعمار رؤساء أمريكا، سنعرف أن أصغرهم كان ثيودور روزفلت في عام 1901 (42 عاماً)، جون كينيدي في عام 1961 (43 عاماً)، وكأمثلة أخرى يمكن إيرادها، سنجد صورة قريبة، فعمر جيمي كارتر عند توليه الرئاسة كان 52 عاماً، فيما كان عمر جورج دبليو بوش 54 عاماً، وعمر بيل كلينتون كان 46 عاماً، وكان باراك أوباما عند توليه الرئاسة أول مرة في السابعة والأربعين.
ومع أن الرئيس الجمهوري الأسبق رونالد ريغان كان يعدّ أكبر رؤساء أمريكا عمراً عند وصوله البيت الأبيض، لكنه، رغم ذلك، لم يكن يومها قد أتمّ السبعين من عمره، ما يدعو للقول إن «شيخوخة» رؤساء أمريكا بدأت في الظهور بمجيء دونالد ترامب رئيساً في عام 2017، حيث كان في السبعين من عمره، وفي الانتخابات التالية، في عام 2022، فاز جو بايدن وهو في الثامنة والسبعين، وها هو يترشح ثانية بعد أن تجاوز الثمانين.