د. صلاح الغول*
في 13 يونيو/حزيران المنصرم، وعلى صفحات «الخليج»، قيّمنا قرار رئيس الوزراء البريطاني «ريشي سوناك» بالدعوة لانتخابات عامة مبكرة، بأنه «مقامرة محفوفة بالمخاطر»؛ لأن رئيس الوزراء، وحزبه، وحكومته من المحافظين كانوا في أسوأ حالاتهم. وفي مقالنا المعنون: «سيناريوهات الانتخابات المبكرة في بريطانيا»، رجّحنا عودة حزب العمال بزعامة كير ستارمر، إلى السلطة.
وفي الانتخابات التي جرت في 4 يوليو/ تموز الجاري، تحقق ما توقعناه بالفعل. فقد انقلبت مقامرة سوناك عليه، وعلى حزبه الذّي مُني بأكبر هزيمة خلال ال 200 عام الماضية؛ حيث لم يستطع سوى الفوز ب 121 مقعداً (بنسبة 18.6%)، من مجموع مقاعد مجلس العموم البالغة 650 مقعداً، و23.7% من الأصوات. وبالمقارنة بالانتخابات السابقة، خسر الحزب نحو 252 مقعداً.
على الجانب الآخر، حقق حزب العمال انتصاراً تاريخياً، وأصبح زعيمه «كير ستارمر» رئيساً للوزراء، عقب استقالة ريشي سوناك. فقد استطاع الحزب تأمين نحو 63.4% من مقاعد البرلمان (412 مقعداً)، ونحو 33.8% من الأصوات. وبالمقارنة بالانتخابات السابقة، كسب حزب العمال نحو 214 مقعداً، مؤمّناً أغلبية برلمانية مريحة.
ولعل ذلك يثير التساؤل عن السياسة المتوقعة لحزب العمال تجاه ملفات المنطقة، لاسيما وأنّه خاض الانتخابات تحت شعار «التغيير».
من خلال قراءة البرنامج الانتخابي للحزب، ومتابعة حملته الانتخابية، وتحليل أول خطاب لرئيس الوزراء الجديد «ستارمر»، يمكن استقراء سياسة حكومة العمال تجاه قضايا المنطقة.
بادئ ذي بدء، ولتأكيد اهتمامه بالمنطقة، أسّس حزب العمال مجلس الشرق الأوسط. ويؤكد الحزب أنّ سياسة المملكة المتحدة تجاه المنطقة تمتد إلى ما هو أبعد من حل النزاعات، لتشمل الشراكات في القطاعات الناشئة.
ويتبنّى حزب العمال سياسة أكثر توازناً مقارنة بالمحافظين تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. صحيح أنّ ستارمر دعم القرار الإسرائيلي بقطع إمدادات الغذاء، والكهرباء، والوقود، والمياه، عن سكان غزة، مع بداية الحرب، إلا أنّ حزبه دعا إلى «وقف إطلاق نار إنساني فوري»، في تراجع عن دعمه السابق للحملة الإسرائيلية على القطاع. ويشدد برنامج حزب العمال على أن السلام والأمن على المدى الطويل في الشرق الأوسط، سيكونان محور تركيزه، وأنه سيواصل الضغط من أجل وقف فوري لإطلاق النار، والإفراج عن جميع الرهائن، وزيادة سريعة في المساعدات إلى غزة.
وفي مقابل دعمه لأمن إسرائيل، وحقها في الدفاع عن نفسها، يؤكد برنامج حزب العمال أن الدولة الفلسطينية هي حق «غير قابل للتصرف» للشعب الفلسطيني، وأنها أمر ضروري لأمن إسرائيل، على المدى الطويل. ومع فوز العديد من نواب الحزب المؤيدين للفلسطينيين، يتوقع أن يتخذ الحزب نهجاً أكثر تأييداً للفلسطينيين.
بيد أنّ حزب العمال عبّر عن قلقه البالغ إزاء مخاطر التصعيد بين «حزب الله»، وإسرائيل. ومن المتوقع أنه سيكون هناك تنسيق في ظل حكومة حزب العمال مع الولايات المتحدة، التي تبذل جهوداً كبيرة لتهدئة التوترات على الحدود الجنوبية للبنان.
وبالنسبة إلى دول الخليج العربي، أعلن حزب العمال في برنامجه أنه سيقوم بتعميق التعاون مع الشركاء الخليجيين بشأن الأمن الإقليمي، والطاقة، والتجارة، والاستثمار. كما أعلن الحزب عن حرصه على العمل مع دول الخليج في ما يتعلق بالمخاوف الأمنية، بما في ذلك تلك المتصلة بإيران. وهكذا، سوف تواصل بريطانيا، في ظل الحكومة العمالية الجديدة، لعب دور أوسع في دعم الأمن في الخليج. ومن هذا المنطلق، دعا حزب العمال لاتخاذ سياسات متشددة ضد الحرس الثوري الإيراني، الذي يعتبره مصدر الكثير من المشكلات في الشرق الأوسط. كما عبّر الحزب عن قلقه من علاقات طهران مع الجماعات المسلحة في المنطقة، مثل حركة حماس، و«حزب الله»، والحوثيين.
علاوة على ذلك، أعلن حزب العمال عن استراتيجية شاملة للتعامل مع الصراع في السودان، تتضمن زيادة المساعدات الإنسانية، وتعزيز التعاون مع القوى الإقليمية، لاسيما مصر والإمارات، والدولية لوقف إطلاق النار، واستعادة الاستقرار الدائم، ومن ثم دعم الانتقال الديمقراطي في السودان.
وبالنسبة إلى الأزمة السورية، يدعم حزب العمال التسوية السلمية للأزمة السورية، وتعزيز الجهود الإنسانية. ومع الاستقرار النسبي في الملف السوري، يُتوقع ألا تختلف سياسة الحزب تجاه سوريا بصورة جوهرية إلا في إطار مواقفه من القضايا الإقليمية الأخرى، كمكافحة الإرهاب، والنشاط الروسي في المنطقة.
وبالنسبة إلى اليمن، يعارض حزب العمال بيع الأسلحة البريطانية للتحالف العربي بقيادة السعودية، ويدعو إلى حل سياسي للأزمة اليمنية عن طريق مفاوضات، برعاية الأمم المتحدة، تشمل جميع الأطراف، بما في ذلك الحوثيون. كما يطالب الحزب بمزيد من المساعدات الإنسانية لليمن. غير أنّ الحزب يدعو إلى تعزيز الجهود الدولية لضمان أمن الممرات المائية التي يهددها الحوثيين، عن طريق الوسائل الدبلوماسية والتعاون الدولي.
وأخيراً، يهدف حزب العمال إلى تطوير سياسات هجرة إنسانية، وعادلة، تستند إلى القيم البريطانية في قبول اللاجئين والمهاجرين الفارّين من النزاعات والاضطهاد، ووعد حزب العمال بزيادة الدعم المالي والسياسي للمنظمات الدولية التي تساعد اللاجئين، وتوفير المأوى والرعاية الصحية لهم.
*متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية