عادي

عذب الكلام

22:25 مساء
قراءة 3 دقائق
عذب الكلام

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

  • في رحاب أمّ اللغات

من بَدائعِ التّعبير عن شِدّة الوَلَه إلى المَحبوب، قولُ الشريف الرضي:

ولَقَدْ مَرَرْتُ على دِيارِهِمُ

وطُلولُها بِيَدِ البِلى نَهْبُ

فَوَقَفْتُ حتّى عَجَّ مِنْ نَصَبٍ

نَضْوي ولَجَّ بِعَذْلِيَ الرَّكْبُ

وتَلَفَّتَتْ عَيْني فَمُذْ خَفِيَتْ

عَنّي الدِّيارُ تَلَفَّتَ القَلْبُ

وقول البُحتُري:

أحْنُو عَلَيْكِ، وفي فؤادي لَوْعَةٌ

وأصُدُّ عَنْكِ، ووَجْهُ وُدّي مُقْبِلُ

وإذا هَمَمْتُ بِوَصْلِ غَيْرِكِ رَدّني

وَلَهٌ إلَيْكِ، وشَافِعٌ لَكِ أوّلُ

وأَعِزُّ ثُمَّ أَذِلُّ ذِلّةَ عاشِقٍ

والحُبّ فِيهِ تَعَزّزُ وتَذَلُّلُ

  • دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر

أبو العلاء المعري

(الطويل)

إِذا عِبْتَ عِنْدي غَيْرِيَ اليَوْمَ ظالِماً

فَأَنْتَ بِظُلمٍ عِنْدَ غَيْرِيَ عائِبي

عَرَفْتُكَ فاعْلَم إِنْ ذَمَمْتَ خَلائِقي

ورابَكَ بَعْضي أَنَّ كُلَّكَ رائِبي

فَأَيْنَ الَّذي في التُّرْبِ يُدْفَنُ شَخْصُهُ

وأَسرارُهُ مَدْفونَةٌ في التَّرائِبِ

يَظُنُّ نَبيهٌ غائِباً مِثْلَ شاهِدٍ

وخامِلُ قَوْمٍ شاهِداً مِثْلَ غائِبِ

وقَدْ يُورَثُ المالَ البَعيدَ مُضَلَّلٌ

مِنَ النّاسِ يَأْبى وَضْعَهُ في القَرائِبِ

وإِنَّ بَني حَوّاءَ زورٌ عَنِ الهُدى

ولَوْ ضُرِبوا بِالسَّيْفِ ضَرْبَ الغَرائِبِ

ومِنْ حُبِّ دُنْياهُم رَمَوْا في وَغاهُمُ

بَغيضَ المَنايا بِالنُّفوسِ الحَبائِبِ

وكَمْ غَوَّروا في مَوْرِدٍ وتَظَمُّؤٍ

عُيونَ رَكيٍّ أَوْ عُيونَ رَكائِبِ

وأَسْرَوْا على الخَيْلِ العِتاقِ وأَصْمَتوا

نَواطِقَها إِلّا تَحَمْحُمَ هائِبِ

يَقولُ الفَتى أُخلِصتُ غَيّاً وَلَم أَرُح

وشائِبُ فَودَي بِالتَوَرُّعِ شائِبي

  • من أسرار العربية

في أمطَارِ الأزمِنةِ: أوَّلُ ما يَبْدُو المَطَرُ في إقْبَالِ الشِّتَاءِ: الخَرِيفُ. (ليسَ الخَريفُ في الأَصلِ اسمَ الفَصْلِ، وإنّما هو اسمُ مَطَرِ القَيْظِ، ثم سُمِّي الزَّمنُ به. وسُمّي خَريفاً لأَنّهُ تُخْرَفُ فيهِ الثِّمارُ أَي تُجْتَنى). ثُمَّ يَلِيهِ الوَسْمِيُّ. ثُمَّ الرَّبِيعُ. ثُمَّ الصَّيِّفُ. ثُمَّ الحَمِيمُ.

فإِذَا أحْيا الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها: الحَياءُ. وإذا جاءَ عَقِيبَ المَحْلِ أو عِنْدَ الحاجَةِ: الغَيْثُ. فإذا دامَ مع سُكونٍ: الدِّيمَةُ. ثمّ الضَّرْبُ. والهَطْلُ. وإذا زادَ، فَهُوَ الهَتَلانُ والتَّهْتانُ. والمَطْرَةُ الضَعِيفَةُ: الرِّهْمَةُ. قال لبيد:

باتَتْ وأَسْبَلَ واكِفٌ مِنْ دِيمَةٍ

يَرْوي الخَمائِلَ دائماً تَسْجامُها

لَيْسَتْ بالكَثِيرَةِ: الغَبْيَةُ والحَشَكَةُ والحَفْشَةُ. الضَعِيفةُ اليَسِيرَةُ: الذِّهَابُ والهَمِيمَةُ. المَطَرُ المُسْتَمِرُّ: الوَدْقُ. الضَخْمُ القَطْرِ الشَدِيدُ الوَقْعِ: الوابِلُ. إذا كانَ يَرْوِي كُلَّ شيءٍ: الجَوْدُ. العامُّ: الجَدا. الذي يدَومُ أيَّاماً لا يُقْلِعُ: العَيْنُ. الكثِيرُ القَطْرِ: الغَدَقُ. الشَدِيدُ الوَقْعِ الكَثِيرُ الصَّوْبِ: السَّحِيفَةُ.

وفي تَرْتِيبِ الأنْهار: أَصْغَرُها: الفَلَجُ. ثُمَّ الجَدْوَلُ. ثُمَّ السَّرِيُّ. ثُمَّ الجَعْفَرُ. ثُمَّ الرَّبِيعُ. ثُمَّ الطِّبْعُ. ثُمَّ الخَلِيجُ.

  • هفوة وتصويب

يقول بعضُهم «فُلانٌ يَتَمتّعُ بخَصائلَ حَسَنةِ».. وهي خطأ، والصواب «فُلانٌ يَتَمتّعُ بِخِصالٍ حَسَنَةٍ» ومفردها: خَصْلة، وهي حالات الأُمور من الفَضِيلةِ والرَّذيلةِ، وقد غَلبَت على الفَضيلة؛ قال الكُمَيْت يمدح رجلاً:

سَبَقْتَ إلى الخَيْراتِ كُلَّ مُناضِلٍ

وأَحْرَزْتَ بالعَشْرِ الوِلاءِ خِصالَها

أمّا خَصائل، فهي جمعُ خَصِيلة، وهي لَحْمةٍ على حَيِّزها من لحم الفَخذين والعضُدين؛ والقليل من الشَّعْر.

وكثُرٌ يقولون «الرَّقَم كذا..»، (بفتح القاف)، ويعنون العدد، وهي خطأ، والصواب «الرَّقْمُ» (بسكون القاف)؛ ورَقَمَ الكتابَ يَرْقُمُهُ رَقْماً: بَيَّنَه. والرَّقيمُ: الكِتاب؛ قال الشاعر:

سَأرْقُم في الماءِ القَراحِ إلَيْكُمُ

على نَأْيِكُمْ إنْ كان في الماءِ راقِمُ

(أي سأكتبُ).

  • من حكم العرب

وخَيْرُ خِلالِ الَمرْءِ صِدْقُ لِسانِهِ

ولِلصِّدْقِ فَضْلٌ يَسْتَبين ويَبْرُزُ

وإِنْجازُكَ المَوْعودَ مِنْ سَبَبِ الغِنى

فَكُن موفِياً بِالوَعْدِ تُعْطي وتُنْجِزُ

البيتان لهند بنت الخُسّ، تقول فيهما إن الصدق، خيرُ قيم الإنسان، وأحسنُ خِصاله، فهو الذي يضفي على شخصه الوقار والثقة، ويكسبه الاحترام والمودّة.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"