قلت للقلم: مللنا اجترار المحاولات التي تدّعي أنها ستنتشل لغتنا من الرتابة الموحلة بلا تجديد ولا تطوير؟ قال: لديّ فكرة عمليّة علمية جيّدة، لكنني لن أكشف عن ألِف منها أو ياء، إلاّ إذا سمحت لي بأن أبوح بالرأي الصريح، الذي أثقل العقل القريح، وصوتُ الروح منه مبحوح. قلت: قل ما بدا لك، وضاعف مقادير البلاغة، لكن أخاف عليك ألّا تُسمِع حيّاً.
قال: كن حليماً وتمالك، إنه قول ثقيل. أتذكر منذ متى بدأت العقول النيّرة توصي بتطوير التعليم؟ أبو عثمان الجاحظ نادى بعدم تعليم الأطفال من النحو إلاّ ما ينفعهم في حياتهم اليومية. بعد ثلاثة قرون ونيّف، كاد ابن مضاء القرطبي ينتف شعره سخطاً على النحويين الذين شقّوا للغة مسالك المهالك، وأعلن ثورته عليهم في كتابه البديع: «الردّ على النحاة». في القرن العشرين دعا شوقي ضيف ونظراؤه إلى تبسيط القواعد، ولقد أسمعوا لو نادوا أحياء. معذرةً، لن أطيل ثم نمضي إلى الفكرة. خطر لي أن الناس لم يتعلموا شيئاً من ألف سنة من الدعوات إلى التطوير. بالتالي علينا أن نستعير عبارة ظريفة من الأشقاء السوريين، يستخدمونها في تصليح المركبات، يقولون: «نفض السيارة» أي لم يعد المحرّك قابلاً لتغيير بعض قطع الغيار، فلا حلّ إلاّ بتغيير المحرّك بكامله. قياساً على ذلك، يجب تغيير طريقة الأداء والتفكير في العقل العربي. أينشتاين يقول: «الجنون هو أن تكرّر التجربة نفسها مراراً، وتنتظر نتيجةً مختلفةً».
قلت: هل نسيت الفكرة العملية التي وعدتني؟ قال: هو ذا جوهر الموضوع. لكي تتطور مناهج التربية والتعليم، يجب ربطها بالتنمية الشاملة، فإذا كان قطار التنمية سريعاً حديثاً عصريّاً، فإن نظام التعليم لن يسير على إيقاع: «ما للجِمال مشيُها وئيدَا»، كقطاع منفصل. ستدفعه الإدارة التنموية الفائقة إلى الاندماج في التنمية محليّاً وعالميّاً. المفتاح السحري يكمن في «عمل الفريق»، الذي لم يجرّبه العرب قط في هذا المجال، أي مناهج العربية بالذات. لا يمكن تطوير تدريس لغتنا إذا لم يُشكَّل مجلس لغوي من علماء اللغة الراسخين في علوم اللغة، ذوي الإرادة التغييرية الفولاذية، مع خبراء في العلوم التربوية، مع اثنين أو ثلاثة من أساتذة علم النفس التربوي.
لزوم ما يلزم: النتيجة الهمسية: الأفضل أن يُعزل أعضاء المجلس في خلوة، في جزيرة، ستة أشهر، متخيّلين أن العربية لم تكن لها قواعد، وعليهم ابتكار نحوٍ يناسب الحاضر والمستقبل.