د. عبدالعظيم حنفي
ترى دراسات اقتصادية، أنه يشوب جوائز نوبل للاقتصاد بعض الأحيان شيء من الغرابة؛ فهي تكرم أشخاصاً أصحاب آراء متعارضة، مثل جائزة عام 1974 التي مُنِحت لكل من كارل غونار ميردال الذي كان يميل إلى التيار اليساري، وفريدريش أوغوست فون هايك الذي كان تحررياً أو تعود إلى الماضي لتكريم إنجازات أكاديمية طواها النسيان طويلاً. وترى أن جائزة نوبل عام 2010 تعطي مثالاً على توفيق منح الجائزة لمجموعة متماثلة في الفكر؛ فقد كرّمت بيتر دايموند، وديل مورتنسن، وكريستوفر بيساريدس، الذين اجتمعت بحوثهم في التسعينات حول نموذج حيوي للبطالة وسوق العمل. وكان الوقت ملائماً لذلك. ففي أعقاب الركود الكبير، أصبح هناك 200 مليون شخص في أنحاء العامل بلا عمل، وكانت إعادتهم إلى سوق العمل من جديد هي أكثر مهام السياسة الاقتصادية إلحاحاً آنذاك. ويعطون مثالاً من بين هؤلاء: بيساريدس، وهو اقتصادي قبرصي ينحدر من أصول يونانية، فقد كان شغله الشاغل السعي لفهم البطالة منذ سبعينات القرن العشرين. واستغرق سعيه هذا 20 عاماً من العمل الأكاديمي الشاق قبل أن تبدأ بحوثه في التأثير بطريقة تفكير خبراء الاقتصاد في قضية البطالة، ثم انتقل تأثيرها إلى السياسة. وأصبح الجميع يصغون إلى ما يقوله بيساريدس، وأصبحت كلمته مسموعة بفضل حصوله على جائزة نوبل.
وسبق أن كتب الفيلسوف توماس كارليل ذات مرة يقول: «إذا علمت ببغاء مصطلحي ‹العرض والطلب› أصبح لديك خبير اقتصادي»؛ فالزائد عن الحاجة من المعروض من السلع الأولية ينبغي أن يؤدي إلى انخفاض سعرها، ويؤدي انخفاض السعر بدوره إلى زيادة الطلب والقضاء على العرض الزائد. وعندما تطبق هذه الرؤية التقليدية على سوق العمل، فإنها تعني انخفاض الأجور عندما يكون عرض العمالة زائداً، وتعني بالتالي القضاء على البطالة. لكن انتشار البطالة الجماعية، كما في حالة الكساد الكبير في ثلاثينات القرن العشرين، كان مضاداً لهذا الرأي. وفي ستينات القرن العشرين بدأ خبراء في الاقتصاد؛ ومنهم بيتر دايموند، وديل مورتنسن الحاصلان على جائزة نوبل مع بيساريدس، يدركون أن البحث عن فرصة عمل شبيه بالبحث عن زوج أو عن منزل. وسوق المساكن، مثال، يعج بعدد كبير من البائعين والمشترين. ويمر الاثنان بعملية بحث للوصول إلى اختيار جيد يحقق سعادة الطرفين. والسعر هو أحد جوانب الصفقة، ولكنه ليس الجانب الوحيد؛ لأن المشترين يهتمون بمميزات أخرى في المنازل. وهذا النوع من البحث يستغرق وقتاً طويلاً، لذلك لا يتسنى بيع بعض المساكن لفترة من الوقت. ويبدو أن تطبيق «نظرية البحث» هذه على سوق العمل، تعطي رؤية مريحة بقدر أكبر كثيراً لأسباب البطالة مقارنة بما يمنحه النموذج التقليدي.
أدى عمل بعض هؤلاء الفائزين بنوبل بشأن دالة المطابقة إلى تجديد الاهتمام بمنحنى بفريدج، وهو منحنى العلاقة بين البطالة والوظائف الشاغرة. والعلاقة ذاتها كان يرصدها الاقتصادي والمصلح الاجتماعي البريطاني ويليام بيفيريدج في أربعينات القرن العشرين؛ عندما كان الاقتصاد مزدهراً، كانت البطالة منخفضة والشواغر كثيرة، وكان العكس صحيحاً في فترة الركود. ولم يقدم هؤلاء أساساً نظرياً للمنحنى فحسب، وإنما ساعد كذلك على تفسير التحركات حوله تعرف بأنها «حلقات» عندما كان الاقتصاد خارجاً من الركود. وكما تجاهد أسواق العمل في الولايات المتحدة وبلدان أخرى لتنفض عن نفسها آثار الركود الكبير، هناك حلقات محيطة بمنحنى بيفيريدج.