إعداد: فوّاز الشعّار
لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.
- في رحاب أمّ اللغات
من جميل وصف الشعراء للغُروب، قولُ معروف الرُّصافي:
نَزَلَتْ تَجُرُّ إلى الغُروبِ ذُيولا
صَفْراءَ تُشْبِهُ عاشِقاً مَتْبولا
تَهْتَزُّ بَيْنَ يَدِ المَغيب كأنَّها
صَبٌّ تَمَلْمَلَ في الفِراشِ عَليلا
ضَحِكَتْ مَشارِقُها بِوَجْهِكَ بُكْرَةً
وبَكَتْ مَغارِبُها الدِّماءَ أَصيلا
وقولُ خليل مطران:
يا لَلْغُروبِ وما بِهِ مِنْ عَبْرَةٍ
للِمُسْتَهامِ وعِبْرَةٍ لِلرَّائي
ولَقَدْ ذَكَرْتُكِ والنَّهارُ مُوَدِّعٌ
والقَلْبُ بَيْنَ مَهابَةٍ ورَجاءِ
وخَواطِرِي تَبْدُو تُجاهَ نَواظِرِي
كَلْمى كَدامِيَةِ السَّحابِ إزائِي
- دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر
حَديثُ النّاس
صَفيّ الدين الحلّي
(الوافر)
حَديثُ النّاسِ أَكثُرُهُ مُحالُ
ولَكِنْ لِلْعِدى فيهِ مَجالُ
وأَعْلَمُ أَنَّ بَعْضَ الظَنِّ إِثْمٌ
ولَكِنْ لِلْيَقينِ بِهِ احْتِمالُ
فَيا مَنْ ضاعَ فيهِ نَفيسُ عُمْري
وقُوِّضَ فيهِ مالي والرِّجالُ
سأَلتُكَ لا تَدَعْ لِلقَوْلِ وَجْهاً
فَيَكثُرُ حينَ أَذكُرُكَ الجِدالُ
وإِنّي مَعْ صُدودِكَ والتَّجَنّي
وَفِيٌّ لَيْسَ لي عَنْكَ انْتِقالُ
أَغارُ إِذا سَرى بِحِماكَ بَرْقٌ
وأَغْضَبُ كُلَّما طَرَقَ الخَيالُ
لِأَنّي لا أَخونُ عُهودَ خِلٍّ
ولَوْ حَفَّتْ بِيَ النُّوَبُ الثِّقالُ
فَيا مَنْ سَرَّني بِاللَّفْظِ مِنْهُ
ولَكِنْ ساءَني مِنْهُ الفِعالُ
فَما نَفْعي بِحُسْنٍ في خَليلٍ
إِذا لَمْ يَصفُ لي مِنْهُ الخِلالُ
إِذا عَدِمَ الفَتى خُلُقاً جَميلاً
يَسودُ بِهِ فَلا خُلِقَ الجَمالُ
- من أسرار العربية
فروق: الأَصْبَعُ: واحدة الأَصابِع، تُذكّرُ وتُؤنّثُ، وفيها لُغاتٌ: الإِصْبَعُ والأُصْبَعُ، بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وضَمّها، والباءُ مَفتوحةٌ، والأَصْبُعُ والأُصْبِعُ والأَصْبِعُ والإِصْبِعُ، والأُصْبُعُ (بضَمّ الهَمْزةِ والباء). والأُصْبُوعُ: الأُنْمُلةُ، وهي مُؤنّثةٌ في كلّ ذلك.
ويُقال: للرّاعي على ماشِيَتِهِ إصْبَعٌ، أي أثرٌ حسنٌ. قال الشّاعر:
ضَعيفُ العَصا بادي العُروقِ تَرى له
عَلَيْها إِذا ما أَجْدَبَ النّاسُ إِصْبَعا
بَيْنَ تَرِبَ وأتْرَبَ، يُقالُ للرّجُل، إذا قَلّ مالُهُ: قَدْ تَرِبَ أي افْتَقَرَ، حتّى لَصقَ بالتُّراب. أما أترب، فهو مُتْرِبٌ، إذا كَثُرَ مَالُهُ. ويقال: تَرِبَتْ يَداهُ، أي لا أصابَ خَيْراً. وهي كلمةٌ جاريةٌ على ألسُنِ العَرَبِ يقولونُها، وهم لا يريدونَ بها الدُّعاءَ على المخاطبِ بالشرّ؛ وقيل: «مَعناها للهِ دَرُّكَ». والتَّرائبُ مَوْضِعُ القِلادةِ من الصَّدْر.
قال امرؤ القيس:
مُهَفْهَفةٌ بَيْضاءُ غَيْرُ مُفاضةٍ
تَرائِبُها مَصْقُولةٌ كالسَّجَنْجَلِ
- هفوة وتصويب
يَسْتَخْدِمُ كثُرٌ هذه الأيامَ العبارة الآتية: «وبرّر فلانٌ عَمَلَهُ بكذا وكذا..»، أي أوْجَدَ ما يُجيزُهُ، وهي خطأٌ، لأنَّ البِرَّ: الصِّدقُ والطّاعَةُ. يقالُ: رَجَلٌ بَرٌّ مِنْ قَوْمٍ أبْرارٍ؛ وبارٌّ مِنْ قَوْمٍ بَرَرَةٍ. والبِرُّ: الخَيْرُ. وقالَ لَبيدٌ:
وما البِرُّ إلاَّ مُضْمَراتٌ مِنَ التُّقَى
وما المالُ إلّا مُعْمَراتٌ وَدائِعُ
والبِرُّ: ضِدُّ العُقوقِ. وبَرَّ والدَهُ يَبَرُّه ويَبِرُّه بِرّاً. وبَرَرْتُه بِرّاً: وَصَلْتُه. أمّا برّرَ، بذلك المعنى، فلا وجودَ لها، والصّوابُ: «وسوّغ فُلانٌ...»؛ لأنّ «ساغَ له ما فَعَلَ»: جازَ له ذلك، «وأَنا سَوَّغْتُه له: جَوَّزْتُه». وساغَ الشَّرابُ في الحلق يَسوغُ سَوْغاً: سَهُل مَدْخلُهُ.
- من حكم العرب
وفي التَّنَقُّلِ عِزٌّ لِلفَتى وعُلا
لَمْ يَكْمُلِ البَدْرُ لَوْلا كَثْرَةُ النَّقَلِ
والمَنْدَلُ الرَّطْبُ في أَوْطانِهِ حَطَبٌ
وقَدْ يُقوَّمُ في الأَسْفارِ بِالجُملِ
(«المَنْدَل»: العُودُ الطيِّب الرائحة).
البيتان لابن المقرّب العيوني، يقول إن الجلوس والرّكون في مكان واحد، يصيب بالخشونة وعدم الفائدة، أمّا الترحال والأسفار، فإنّهما يضفيان المعرفة والعلم والاكتشاف.