د. عبدالله أحمد آل علي *
أعتقد أن الاعتراف بالهزيمة ليس بالضرورة أن يكون إعلاناً رسمياً أو عسكرياً، بل هو إحساس يتسلل إلى الوعي الجمعي للمجتمع والدولة بكافة مفاصلها وأركانها ومكوناتها الفكرية والاستراتيجية.
في الحالة الإسرائيلية، يمكن رصد هذا الإدراك والوعي بهذا الاعتقاد والشعور المرتبك والمتدحرج من قمة رأس الدولة إلى المستوى الشعبي. هذا يمكن مشاهدته من خلال عدة مظاهر وزوايا، أبرزها على مستوى قمة الهرم السياسي.
يقول زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان إنه في حال استمر الائتلاف الحاكم والكنيست الحاليان حتى عام 2026، فلن تكون إسرائيل موجودة، منتقداً بشدة إدارة الحكومة الحالية للحرب على قطاع غزة وإخفاقها في منع هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ويؤكد ليبرمان، بحسب ما يعتقد، أن المستوى السياسي في إسرائيل برمته مريض، مشيراً إلى أن لوبيات المصالح أصبحت لها اليوم اليد العليا.
من جهة أخرى، يقول زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فقد السيطرة على الحرب والعلاقات الخارجية وعلى حكومته، حيث يفعل الجميع هناك ما يحلو لهم، بحسب تعبيره. هذه النبرة من التصريحات على لسان المسؤولين في الكيان الإسرائيلي تبين حالة الانقسام والقلق لمسار حرب غزة وغياب رؤية الحل ضمن المنظور الاستراتيجي لها.
نحن لسنا في صدد إبراز مضامين الهزيمة العملياتية في مسرح أحداث حرب غزة منذ صدمة السابع من أكتوبر(تشرين الأول)، وإنما نهدف إلى إظهار الحالة الذهنية والشعور العام المهزوم عند مختلف النخب السياسية والفكرية في أركان الدولة الإسرائيلية. وذكرت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية أن الصحفي آموس هارئيل كتب أن بنيامين نتنياهو يخوض ثلاث حروب استنزاف: واحدة ضد «حماس»، والأخرى ضد «حزب الله»، والثالثة ضد شعبه. وأضاف أن نتنياهو يعمل على إبقاء الإسرائيليين في حالة من الغموض والضبابية حتى يضمن بقاءه أطول فترة في ائتلافه الحكومي وتجنب المحاكمة التي تنتظره.
ماذا نستخلص في نهاية المطاف ومن خلال هذه التصريحات والتحليلات؟ يتضح لنا أن الشعور بالهزيمة ليس مجرد تقييم عسكري أو سياسي للوضع، بل هو حالة نفسية واجتماعية تترسخ في وعي المجتمع والدولة، وتنعكس على الخطاب السياسي والنخبوي بشكل واضح. هذا الشعور يعكس تراجع الثقة في القدرة على تحقيق الأهداف الاستراتيجية، والاعتماد على استراتيجيات تفتقر إلى الرؤية الواضحة لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وتجرّ إسرائيل كدولة والمنطقة إلى مسار مظلم أشد تعقيداً من أنفاق غزة التي أعادت القضية الفلسطينية إلى المربع الأول، وتنذر بحروب أفقية ورأسية قد تجر العالم بأسره إلى هاوية الحرب العالمية الثالثة.
* باحث في الشؤون الأمنية