عادي

عذب الكلام

23:41 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

  • في رحاب أمّ اللغات

كان وصف الشعراء لِحُسْن الحديث مُدهشاً، كقول بشّار بن برد:

وكأنَّ رَجْعَ حَديِثِها

قِطَعُ الرّياضِ كُسِينَ زَهْرا

وكأنَّ تَحْتَ لِسانِها

هاروتَ يَنْفُثُ فيهِ سِحْرا

وتَخالُ ما اشْتَملتْ عَلَيْ

هِ ثِيابُها ذَهَباً وعِطْرا

وقول أبي ذؤيب:

وإنَّ حَديثاً مِنْكِ لو تَبْذُلينَهُ

جَنى النَّحْلِ في أَلْبانِ عُوذٍ مَطافِلِ

مَطافيلَ أبْكارٍ حَديثٍ نِتاجُها

يُشابُ بماءٍ مِثْلِ ماءِ المَفاصِلِ

وقول البحتري:

فَلَمَّا الْتَقْينا والنَّقى مَوْعدٌ لنا

تعجَّبَ رائي الدُرِّ حُسْناً ولاقِطُهْ

فمِنْ لُؤلُؤٍ تَجْلوهُ عِنْدَ ابْتِسامِها

ومِنْ لُؤلُؤٍ عِنْدَ الحَديثِ تُساقِطُهْ

  • دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر

أَمَنزِلَتَي مَيَّ

ذو الرُّمّة

(بحر الطويل)

أَمَنزِلَتَي مَيَّ سَلامٌ عَلَيكما

عَلى النَأيِ والنائي يَوَدُّ ويَنْصَحُ

ولا زالَ مِن نَوْءِ السِّماكِ عَلَيْكُما

ونَوْءِ الثُريّا وَابِلٌ مُتَبَطِّحُ

وأَنْ كُنتُما قَدْ هِجْتُما راجِعَ الهَوى

لِذي الشَّوْقِ حَتّى ظَلَّتِ العَينُ تَسفَحُ

أَجَلْ عَبرَةً كادَت لِعِرْفانِ مَنْزلٍ

لِمَيَّةَ لَو لَم تُسهِلِ الماءَ تَذبَحُ

عَلى حينِ راهَقتُ الثَلاثينَ وارْعَوَتْ

لِداتي وكادَ الحِلْمُ بِالجَهلِ يَرْجَحُ

إِذا غَيَّرَ النَأيُ المُحِبّينَ لَمْ يَكَد

رَسيسُ الهَوى مِن حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ

فَلا القُربُ يُدني مِن هَواها مَلالَةً

ولا حُبُّها إِنْ تَنْزِحِ الدَارُ يَنْزَحُ

إِذا خَطَرَتْ مِن ذِكْرِ مَيَّةَ خَطْرَةٌ

على النَّفْسِ كادَتْ في فُؤادِكَ تَجْرَحُ

تَصَرَّفَ أَهواءُ القُلوبِ ولا أَرى

نَصيبَكِ مِن قَلْبي لِغَيرِكِ يُمنَحُ

وَبعضُ الهَوى بِالهَجرِ يُمْحى فَيَمْتَحي

وحُبُّكِ عِنْدي يَستَجِدُّ ويَرْبَحُ

  • من أسرار العربية

في الأَصْوات: من الأَصْواتِ الخفِيَّةِ الرِّزُّ. ثُمَّ الرِّكْزُ. ثُمَّ الهَتْمَلَة فَوْقَهُمَا «وهِيَ صَوْتُ السِّرار». ثُمَّ الهَيْنَمَةُ وهيَ شِبْهُ قراءَةٍ غيرِ بَيِّنَة، قال الكميت:

ولا أَشْهَدُ الهُجْرَ والقائِلِيهِ

إذا هُمْ بِهَيْنَمَةٍ هَتْمَلُوا

ثُمَّ الدَّنْدَنَة: أن يَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ بالكلام تَسْمَعُ نَغْمَتَهُ وَلا تَفْهَمُهُ لأنّه يُخْفِيهِ. ثُمَّ النَّغْمُ، وهو جَرْسُ الكَلاَم وحسْنُ الصَّوْتِ. ثُمَّ النَّبْأةُ وهِيَ الصَّوْتُ لَيْسَ بالشَّدِيدِ. ثُمَّ النَّأْمَةُ «مِنَ النَّئِيمِ وهَو الصَّوْتُ الضَّعِيفُ».

وفي أصْوَاتِ الحَرَكَاتِ:

الهَمْسُ: صَوْتُ حَرَكَةِ الإِنْسانِ، ومثْلُهُ الجَرْسُ والخَشْفَةُ. وقَرِيب مِنْهَا الهَمْشَةُ والوَقْشَةُ. فأمّا النَّامَّةُ، فهيَ ما يَنِمُّ عَلَى الإنْسَانِ من حركته أو وَطْءِ قَدَمَيْهِ. الهَمِيسُ: صَوْتُ نَقْلِ أخْفَافِ الإبِلِ في سَيْرِهَا. الهَسْهَسَةُ: عامٌّ في كُلِّ شَيْءٍ، لَهُ صَوْت خَفِيّ كَهَساهِسِ الإبلِ في سَيْرِها؛ قال الشاعر:

وِللهِ فُرْسانٌ وخَيْلٌ مُغِيْرَةٌ

لَهُنَّ بشُبّاكِ الحَديدِ هَساهِسُ

  • هفوة وتصويب

يحصُل خَلطٌ عند بَعضهم، عندما يقولون «سنتناول طَعام الفُطور»، بضَمّ الفاء؛ وفي صَحيح اللغة: الفَطْر: الشَّقُّ، وجمعُه فُطُور. وفطَرَ الشّيءَ، يَفْطُرُه فَطْراً، فانْفَطَر: شَقّهُ؛ قال عُبيد الله بنُ عُتبة:

شَقَقْتِ القَلْبَ ثُمّ ذَرَرْتِ فيهِ

هَواكِ، فَلِيمَ، فالْتَأَمَ الفُطُورُ

تَغَلْغَلَ حَيْثُ لَمْ يَبْلُغ شَرابٌ

ولا حُزْنٌ ولا بَلَغَ السُّرورُ

والفُطْر (بضمّ الفاء): القَليلُ من اللَّبَنِ حينَ يُحْلَبُ. ويقولون: فَطَرْتُ النّاقَةَ أَفْطِرُها فَطْراً. أمّا الفِطْرةُ، بكسر الفاء، فهي الخِلْقَةُ التي يُخْلقُ عليها المَوْلودُ. والفِطْرُ: نَقيضُ الصَّوْم؛ وقد أَفْطَرَ يُفْطِرُ: تَناوَلَ طعامَ الفَطور.. إذنْ طعامُ الصّباح، هو الفَطور، بفتح الفاء.

  • من حكم العرب

إِعْزِمْ وكَدِّ فَإِنْ مَضَيْتَ فَلا تَقِفْ

واصْبِرْ وثَابِرْ فَالنَّجاحُ مُحَقَّقُ

لَيْسَ المُوَفَّقُ مَنْ تُوَاتِيهِ المُنى

لَكِنَّ مَنْ رُزِقَ الثَّباتَ مُوَفَّقُ

البيتان لجبران خليل جبران، يقول فيهما إنّ النجاح لا يتحقّق إلّا بالجدّ والمثابرة، وتحمّل الصعاب، فمن يودّ بلوغ المعالي، لا ينتظر الحظّ أو المصادفة أو التمنّي، بل المجتهد الطموح.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5cuwurx6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"