تحقيق: منى البدوي
الموهبة والتفوق .. وجهان لعملة التميز الطلابي، إلا أن البعض يخلط بين سمات الموهوب والمتفوق دراسياً، وهو ما يتطلب عدم الاعتماد على الذات في التصنيف، واللجوء إلى المتخصّصين بعمل مقاييس واختبارات الكشف عن الموهبة ومستواها، وبعد ذلك يتيه آخرون في البحث عن جهات لرعاية الموهبة، بالرغم من وجود وسائل التواصل الحديثة التي باتت تطرح الدورات والبرامج التطويرية للموهوبين، إلى جانب إمكانية مشاركة الموهوب في مسابقات تسهم في تطوير موهبته داخل الدولة وخارجها.
يلاحظ ولي الأمر أو المعلم، وجود سمات الموهبة أو القدرات والمهارات الفكرية والعقلية التي تفوق لدى الطالب، القدرات العادية مقارنة بأقرانه، لكن بعضهم يقفون مكتوفي الأيدي في انتظار جهة راعية دون الالتفات إلى إنجازات الآخرين من أولياء الأمور الذين لديهم أبناء بقدرات تفوق أقرانهم، حيث توجّه هؤلاء إلى التفكير خارج الصندوق والعمل ذاتياً على تطوير مهارات وقدرات الأبناء سواء بطرائق وأساليب مختلفة معتمدين على ما تتيحه وسائل التواصل الحديثة من إمكانيات متنوعة.
- الترشيح ثم التشخيص بـ «بطارية الموهوبين»
أكد أيمن النقيب، تربوي وخبير موهوبين، أن دولة الإمارات تولي اهتماماً كبيراً برعاية الموهوبين وتضع الخطط والاستراتيجيات لتطوير هذا المضمار، حيث تضم مؤسسة الإمارات للتعليم الدرسي إدارة خاصة لرعاية الموهوبين. مشيراً إلى وجود خريطة طريق لاكتشاف الموهوبين التي يمكن أن يسلكها ولي الأمر بترشيح ابنه أو المعلم بترشيح طالب تظهر عليه سمات الموهبة أو الطالب نفسه.
وأضاف: بعد الانتهاء من مرحلة الترشيح من المدرسة للفئة بين صفوف الروضة وحتى الرابع الابتدائي، تبدأ مرحلة التشخيص والتي تكون عبر المؤسسة ووزارة التربية والتعليم، حيث يطبّق ما يعرف ب «بطارية الموهوبين» على الطلبة المرشحين من المدارس الحكومية والخاصة، وتتضمن مجموعة من القياسات والأدوات التي تطبّق على الطالب للكشف عن الموهبة ومستواها.
وذكر أن الطلبة الموهوبين من الخامس وحتى الثاني عشر تطبّق مؤسسة حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية والتربوية، بعد اجتياز كل المراحل السابقة، مقياس «حمدان» المعتمد والمقنن، وبعدها تبدأ بالمرحلة الثالثة وهي تقديم الرعاية للموهوبين.
ونصح أولياء الأمور الذين لديهم أبناء تظهر عليهم سمات الموهبة بالاطّلاع على دليل معرفة الطالب الموهوب المنشور على الموقع الإلكتروني للمؤسسة، الذي يتضمن الكثير من المعلومات التي يحتاج ولي الأمر أو المعلم أو الطالب نفسه، إلى معرفتها.
- ارتفاع وعي الأسر
وقالت رولا العمري، معلمة رياضيات، إن مستويات الوعي لدى أولياء الأمور بتطوير مواهب الأبناء بدأت ترتفع وهو ما لاحظته في الميدان التربوي الذي أنا فيه من سنوات، حيث كنا سابقاً نلفت نظر ولي الأمر إلى وجود بوادر موهبة لدى الطفل خاصة خلال السنوات الدراسية الأولى، وهو ما يمكن أن يلاحظه المعلم في الفصل. بينما حالياً نفاجأ بأولياء أمور يخبرون المعلم بأن أطفالهم متميزين في أحد المجالات.
وأضافت أن بعضهم يدرك ضرورة تطوير موهبة الطفل معتمداً على ما أتاحته التكنولوجيا من تسهيل عملية الاتصال عن بُعد والمشاركة في مسابقات وبرامج لتطوير المواهب داخل وخارج الدولة. وأشارت إلى أهمية دور المعلم والذي يعدّ مساوياً من حيث الأهمية لدور الأسرة، حيث يشكل تشجيع الطالب وتعزيز موهبته عاملاً مهماً في إبراز الموهبة وتطويرها.
- أسر راعية لموهوبين
واستعرض عدد من أولياء الأمور تجاربهم في تطوير مواهب أبنائهم في مجالات مختلفة، حيث ذكرت موزة الدرمكي، أن تطوير مواهب الأبناء ورعايتها يقع الجزء الأكبر منهما على مسؤولية الوالدين ليس في التشجيع والتحفيز فقط، وإنما في وضع الخطط القصيرة والطويلة، مايسهم في تحقيق الهدف وهو تطوير ورعاية الموهبة لدى الطفل، وذلك لا يعني صرف الأموال الطائلة وإنما يمكن تحقيق ذلك بأساليب متنوعة منها الاستعانة بالتقنيات الحديثة وما تتيحه من التقاء الطفل بغيره من الموهوبين تحت إشراف الأبوين، وإنشاء منصات تفاعلية وغيرها.
وعن تجربتها قالت إن لديها طفلين موهوبين في الكتابة، وحقق كل منهما أرقاماً قياسية في الموسوعة العالمية «غينيس»، وهو ما جاء نتاج مشاركة الطفل باهتمامه الذي قد يكون موهبة تحتاج إلى اكتشاف وتطوير ورعاية، وهو ما حققته بالفعل حيث لمست لدى أبنائي موهبة الإبداع في طرح الأفكار والإبداع ببلورتها في قصة بشخصيات عدّة وسيناريو وأحداث متسلسلة وهو ما دفعني لتشجيعهما ومشاركتهما بقراءة القصص والكتب المتنوعة التي تسهم في تنمية حسّهما الإبداعي. مشيرة إلى أن تجربة الرعاية الوالدية لمواهب الأبناء أثبتت نجاحها في محيط أسرتها.
- التقنيات الحديثة
وذكر وضاح طلال، والد الطالب أحمد، بالصف الثالث الابتدائي، الموهوب في إجراء العمليات الحسابية وحل مسائل تفوق مستوى وقدرات الطالب في العمر نفسه، أن معلم أحمد في الصف الأول الابتدائي كان أول من لاحظ مستواه العقلي المتقدم الذي يفوق أقرانه ولفت انتباهنا، وبالفعل تابعناه بعدها في المنزل لنكتشف أن لديه الكثير من المهارات المتعلقة بالمسائل الحسابية والجمع والطرح والحفظ أيضاً.
وأضاف سعياً لتطوير مهاراته وقدراته العقلية والفكرية، بحثت والدته عن أساليب لمواصلة التطوير وتعزيز مهاراته وإكسابه المهارات المتعلقة بالحساب الذهني وغيرها، ولم نجد أي صعوبة في ذلك بفضل الله أولاً ثم التطور التكنولوجي حيث ضممناه إلى معاهد داخل الدولة وخارجها وصنّف ضمن الموهوبين، حيث حل 160 سؤالاً خلال 10 دقائق، وحقق نتائج مشرّفة منها حصوله على المركز الثاني بالحساب الذهني في مسابقة حورس بدبي. كما نسعى لمشاركته في مسابقات أخرى داخل الدولة وخارجها. ونصح أولياء الأمور الذين لديهم أبناء موهوبون، عدم الاعتماد على المدرسة فقط أو جهات تدريبية وإنما تفعيل دورهم وتشجيع الطفل وتحفيزه والعمل على تطوير مهاراته وهو ما سهلته وسائل التقنية الحديثة من سرعة وسهولة التواصل مع الجهات المختصة باكتشاف ورعاية الطلبة الموهوبين.
- المتابعة وأدوات تطوير المهارات
قال عبد الملك العطار، إن طفله البالغ من العمر 6 سنوات، لاحظ عليه نبوغ مهاراته العقلية والفكرية التي تفوق مهارات أقرانه وهو ما دفعه لتجربة التطوير بوساطة اللعب وفوجئ بقدرته الواسعة على استيعاب المعلومات وحفظها واسترجاعها، حيث إنه يتميز بقدرته الواسعة على الحفظ السريع خاصة لمواقع دول العالم على الخريطة في القارات الخمس وأسماء الدول وأعلامها وبعض التفاصيل الجغرافية المتعلقة بها، إلى جانب مهاراته الأخرى في سرعة البديهة والتفكير المبدع والتركيز في التفاصيل الدقيقة. مشيراً إلى أنه بحسب ما ذكرت معلمته في الفصل أنه يقدم إجابات نموذجية تفوق مستوى الأطفال الذين في مثل عمره.
وأضاف، نحرص دوماً على متابعة الطفل والبحث عن الأدوات التعليمية والأساليب التي تسهم في تنمية مواهبه ومهاراته العقلية المتعددة، والبحث عن جهات لتبنّي رعاية هذه النوعية من المواهب.