إعداد: ريم محمّد عدنان همّت
تطالعنا الأصوات بين جدران المنزل وفي الطبيعة حولنا، والإنسان مفطور على محاكاة الأصوات الّتي يسمعها، فيعمد إلى تقليدها وترديدها.
فالطقطقة صوت الحجارة، والنعيق صوت الغراب، لكنّ حديثنا ليس عن أنواع أصوات الحيوانات والجمادات،
وإنّما هو عن الألفاظ الصادرة عنها والمسمّاة «أسماء الأصوات».
فقد كان العربيُّ يسمع صوت الغراب، فيقلّده قائلاً: «غاق»، أو صوت الضّرب، فيقول محاكياً: «طاقْ» أو صوت الحجارة «طَقْ»، أو صوت طيّ القماش، فيقول: «قاشِ ماشِ»، فيحاكيها من دون أن يريد من المحاكاة معنى آخر.
هذه الألفاظ تسمّى «أسماء الأصوات»، وهذا النوع يحكى به صوت من الأصوات المسموعة نحو«شِيب» لجَرْعِ الإبل الماءَ، و«غِقْ غِقْ» حكاية غليان القِدر، و«طِيخِ» للضّحِك، و«قَبْ» لوقع السيف.
أمّا النوع الآخر منها فهو ما يخاطِب به مالا يعقل من الحيوان أو صغار الإنسان، وهو يُشبِهُ اسمَ الفعلِ من حيثُ صِحَّة الاكتفاء به، وإنّما لم يُجعلِ اسم فعلٍ، لأنهُ لا يحملُ ضميراً، ولا يقعُ في شيءٍ من تراكيب الكلام.
فمنه ما هو للزّجر، فيقال: (كِخْ كِخْ) -بفتح الكاف أو كسرها- لزجر الطفل عن تناول شيء.
أمّا في زجر الحيوانات وحثّها على السرعة؛ فيُقال: (هَلا) لزجر الخيل، و(عَدَسْ) لزجر البغال عن الإبطاء.
وعندما يحرّكون الإبل عن مواضعها يقولون لها: (حلٍ حلٍ) منوّنتين، أو(حَلْ) مُسكّنة، ولزجرها يقال:(هَيْدٌ) و(هِيدٌ) و(هادٌ) و(حَاءِ) أو(حَا)، ويقال: (عاهِ- عِيهِ- عَهْ) لتحتبِس، و(جُوْهِ) وجَوْهِ) لزجر الجمل لا الناقة، أمّا الناقة فتُحَثّ على السرعة بقولهم: (عاجِ).
ويقال: (إِسْ إِسْ) لزجر الشاة، و(هُسْ) و(هَجْ هَجْ) لزجر الغنم، و(عِيْزَ عِيزَ) و(عَا –عَو-عَايْ) لزجر الضّأْن، و(عَزْعَزْ) لزجر العنْز، و(حُوْ) زجرٌ للمِعْزَى، ويقال: (وَحْ) لزجر البقر، وللكلب(هَجَا) و(هَجْ).
وقد يُقصد بهذه الألفاظ تكليف الحيوان أمراً كي يؤدّيه، نحو: قولك للبعير «إِخ إِخ» ليبرُك.
وقد يكون دعاء كدعاء الإبل إلى الماء بقولهم (جَوْتُ جَوْتَ)، والتّدوية أن تدعوَ الإبل فتقولُ: داهِ داهْ بالكسر والتسكين أو دُهْ دُهْ بالضمّ لتجيء إلى ولدها، و(هِدَعْ) بكسر الهاء ساكنة العين، وبسكون الدال مكسورة العين: كلمة يسكّن بها صغار الإبل عن نِفارِها.
أسماء الأصوات مبنيّة لمشابهتها الحروف المهملة، فهي أسماء لا ضمير فيها، ولكن قد يُسمّى صاحبُ الصوت باسم صوته المنسوب إليه، كما يسمّى الغراب (غاقِ)، ويُسمّى البغل (عَدَسْ)، وقد تُعرب إذا خرجت عن معانيها الأصليّة الّتي هي الصوت المحض وأريد بها صاحب الصوت، فيقال: رأيتُ غاقاً، وركبتُ عدساً.
أخيراً فإنّ اللغة العربيّة لا تزال ذلك البحر، وكلماتها لا تزال ذلك الدرّ الّذي يحيّر العقول ويدهشها، فإن كانت أسرار اللغات في كلماتها، فإن حكايات العربيّة لا تنتهي ودلالات الكلمات مالها من نفاذ، ذلك أنّها أحاطت بالحياة ومظاهرها فحاكت كلّ الكائنات في مظاهرها وحركاتها وأصواتها.
تمّ تدقيق أسماء الأصوات من معجم القاموس المحيط.
- المادّة العلميّة:
1- عبّاس حسن. (2008). النحو الوافي. دار المعارف.
2- أبو منصور الثعالبيّ. (2002). فقه اللغة وأسرار العربيّة.
3- عبد الغني الدقر. (2001). معجم القواعد العربيّة. دار القلم.
4- الشيخ مصطفى الغلاييني. (1944). جامع الدروس العربيّة. دار الكتب العلمية.
5- مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي. (2005). القاموس المحيط.