تحقيق: محمد ياسين
مع بداية موسم العطلات الصيفية، تظهر على الساحة شركات احتيال بثوب جديد تتفنن في طرائق النصب، حيث تقدم هذه الشركات عروضاً مغرية مثل الإقامة في منتجعات داخل الدولة وخارجها، وتذاكر طيران مخفضة، وهدايا، ما يجعلها تبدو فرصاً لا تُعوض. ورغم جاذبية هذه العروض، فإنها غالباً ما تكون فخاخاً محكمة للإيقاع بالضحايا، حيث تستغل حاجة الناس للترفيه ورغبتهم في التوفير، وتغريهم بفرص تبدو ذهبية، لكن خلفها، بنود عقود دقيقة ومضللة.
في هذا التحقيق، نستعرض الأساليب التي تستخدمها هذه الشركات لجذب ضحاياها، ونشارك تجارب بعض الأفراد الذين وقعوا في شراكها.
يروي أحد قراء «الخليج» تجربته قائلاً، إنه تلقى اتصالاً من آسيوي، يخبره بفوزه بعرض مخفض وهدايا تمكنه من الاستفادة من خدمات شركة سياحية. ودعاه إلى الحضور لتسلّم الهدايا له ولأسرته، من دون أي مقابل.
وتابع أنه وصل بصحبة زوجته إلى مقر الشركة، والتي كانت تستأجر مكتباً داخل أحد الفنادق، حيث استقبلهما موظف آسيوي بحفاوة. وقدم عروضاً مغرية للسفر والسياحة، تضمنت تذاكر سفر مخفضة وإقامة لمدة 19 يوماً لأربعة أشخاص، وعروضاً ترويجية أخرى داخل الدولة وخارجها.
- فنون الاحتيال
وأضاف: رغم الرفض الأولي للعروض، أصر موظفو الشركة، الذين أجادوا فنون الاحتيال، على إقناعه حتى وافق ووقع على عقد بعد دفع نصف قيمته. لكنه، بعد توقيع العقد ومراجعته فور عودته إلى منزله؛ اكتشف أن البنود المدونة باللغة الإنجليزية لا تمنحه أي صلاحية للاستفادة من العروض المزعومة، حيث تضمنت بنوداً متضاربة تسمح للشركة بتحصيل المبالغ دون تقديم الخدمات المتفق عليها.
وقال، إنه حاول استرجاع أمواله، لكن الموظف ماطل وتغيرت طريقة تعامله، طالباً منه مغادرة المكان، ورغم توقيعه على العقد، لم يستطع استرداد حقوقه، حيث تسلّمت الشركة المبالغ، من دون تقديم الخدمات المتفق عليها.
- اتصالات متكررة
لم تختلف قصة الأول عن ما رواه آخر، مع شركة سياحة أخرى، حيث خدعت زوجته عبر اتصالات متكررة، وطلبت منها القدوم لتسلّم هدية قيمة وبضغط من الموظف، وافق الزوج على مرافقتها إلى الشركة لتسلّمها.
وتابع: عند وصولهما أقنعهما الموظف بعروض مغرية تشمل عطلات خارج الدولة، وتسهيلات تأشيرات لدول أوروبية، وإقامة في فنادق أربع نجوم تشمل الإفطار والعشاء، مع تذاكر سفر ذهاب وعودة لشخصين مقابل 7 آلاف درهم، أو الإقامة لمدة شهر مقابل 12 ألف درهم. وافق الزوج على العرض الأول ووقع عقداً باللغة الإنجليزية.
- تناقض في العقد
وأضاف أنه بعد عودته إلى المنزل وترجمة بنود العقد باستخدام مترجم «غوغل»، اكتشف تناقضاً كبيراً بين ما وعد به وما هو مدون في العقد. فعاد إلى الشركة ليطلب فسخ العقد، واعترف الموظف بوجود اختلاف ووعد بتصحيح الأمر بعد عدة أيام، ورفض الرد.
- شرح واضح
وقال المحامي والمستشار القانوني بدر خميس: يجب قراءة بنود العقد بعناية وفحصها قبل التعاقد مع أي شركة. كما يجب طلب شرح واضح لجميع بنود العقد والتأكد من فهمها الصحيح. وشدد على أهمية البحث عن الشركة وتقييمات وآراء العملاء السابقين عبر «غوغل»، وهو أسهل إجراء للتأكد من صدقية الشركة.
وأكد ضرورة اليقظة وتوخّي الحذر عند التعامل مع شركات تقدم عروض هدايا قيمة. فمن الضروري توعية المجتمع بهذه الطرائق الجديدة للاحتيال والعمل على حماية حقوقهم ومصالحهم.
- أساليب متنوعة
وقال: إن أساليب الاحتيال كثيرة ومتسارعة، حيث زادت في المرحلة السابقة أساليب الاحتيال وانتحال صفة موظف في مصرف، وطلب كلمة المرور الخاصة OTP التي تمكّن صاحبها من سلب صاحب الحساب المصرفي أمواله، وغيرها من الطرائق الاحتيالية. وكان آخرها شركات سياحة تمنح هدايا مقابل دفع قيمة عروض وهمية للتوقيع على عقود احتيال سياحية.
- أدوات التحقق
فيما قال المحامي الدكتور سالم المعمري: «العقد شريعة المتعاقدين.. وتوقيع صاحب العلاقة يجعل العقد نافذاً وملزماً قانونياً. مشدداً على أن مسؤولية الاحتياط من الاحتيال تقع على عاتق أفراد المجتمع، والذين تتوافر لهم الأدوات اللازمة للتحقق من صحة العروض الترويجية وصدقية الشركات.
وأوضح أنه يجب قراءة بنود العقود بدقة قبل توقيعها، وطلب نسخة بلغة يستطيعون قراءتها، والتأكد من تفاصيل العقد لضمان عدم الوقوع في فخ الاحتيال، فضلاً عن ذلك، يملك الأفراد الحق في البحث والتأكد من سمعة الشركات عبر الإنترنت والاستفادة من آراء الآخرين، قبل دفع الأموال برضاهم، من دون التحقق من صحة العروض لذا، فإن الوقاية تبدأ بالوعي والحرص على اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة، قبل الالتزام بأي عرض.
- قوانين صارمة
قال المحامي الدكتور أحمد عبد الشافي: إن الإمارات من الدول الرائدة في حماية حقوق المستهلك، حيث اتخذت الكثير من الخطوات لضمان حصول المستهلك على سلعة وخدمة ذات جودة عالية. ووضعت قوانين صارمة لحماية حقوقه ومواجهة أي تلاعب بالمستهلكين. وتطلق وزارة الاقتصاد السياسات والمبادرات الهادفة إلى تمكين الممارسات التجارية السليمة وحماية المستهلك وتعزيز الوعي الاستهلاكي السليم، وتعمل على تنفيذها بالتعاون مع شركائها من الجهات الاتحادية والمحلية والقطاعين التعاوني والخاص في جميع إمارات الدولة.
- ممارسات احتيالية
وأضاف أن الممارسات التجارية الاحتيالية في الأسواق من أكثر الظواهر انتشاراً في عصرنا الحالي، حيث يلجأ بعض التجار إلى استخدام أساليب غير أخلاقية لجذب العملاء وخداعهم للحصول على أموالهم، وتشمل هذه الممارسات: الإعلانات الكاذبة التي تقدم معلومات غير صحيحة أو مضللة عن السلعة أو الخدمة، مثل المبالغة في فوائدها أو إخفاء عيوبها. والعروض الوهمية التي تبدو مغرية للغاية، ولكنها في الواقع غير موجودة أو غير قابلة للتحقيق.
وأوضح أن، المادة (17) من القانون الاتحادي رقم 15 لسنة 2020 في شأن حماية المستهلك، تحظر على المعلن والمزود والوكيل التجاري وصف السلعة أو الخدمة بأسلوب يحتوي على بيانات غير صحيحة أو الإعلان عنهما إعلاناً مضللاً، كما تحظر المادة 21 من القانون نفسه إدراج أي شرط عند التعاقد مع المستهلك من شأنه الإضرار به، ويقع باطلاً كل شرط يرد في عقد أو فاتورة أو غير ذلك إذا كان من شأنه إعفاء المزود من أي من الالتزامات الواردة فيه.
- شروط ملزمة
شدد المحامي الدكتور أحمد عبد الشافي على أن هذا القانون يعاقب مخالفي المادتين 17 و21 السابقتين بالحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تقل عن 10 آلاف درهم، ولا تزيد على 200 ألف درهم، أو إحداهما، كما تضاعف العقوبة في حال العودة.
وعن تحديد جهة الاختصاص في الفصل في النزاع عند حدوثه، أكد عبد الشافي، أن هذا الشرط ملزم للطرفين، ولا يجوز الإخلال به عند حدوث الخلاف، فإذا نص العقد على اللجوء لأحد مراكز التسوية أو فض المنازعات، وحظر لجوء كلا الطرفين إلى المحكمة، يعد ذلك إلزاماً ولا يجوز اللجوء للمحاكم.