باريس ـ (أ ف ب)
تبيّن أن حجراً أساسياً في موقع ستونهنج الأثري الشهير في جنوب غرب إنجلترا نُقل لمسافة 750 كيلومتراً من شمال شرق اسكتلندا لاستخدامه في تشييد هذا المعلم في عصر ما قبل التاريخ، على ما أكدت مجموعة من العلماء الأربعاء، ما يوفّر إجابة عن لغز ويثير آخر يتعلق بكيفية نقل البنّائين هذا اللوح الحجري الضخم.
ولطالما شكّلت الأحجار العملاقة الموضوعة بشكل دائري والتي تعود إلى العصر الحجري الحديث مصدر إعجاب وغموض لنحو خمسة آلاف عام. وفي العصور الوسطى، قيل إن الساحر ميرلين من أسطورة آرثر سرق المعلم الأثري من أيرلندا.
وفي المرحلة الأخيرة، توصّل العلماء إلى أن الحجارة الرملية العمودية في الموقع متأتية من مارلبورو في إنجلترا، في حين أن الأحجار الزرقاء المتجمعة قرب وسطها يعود أصلها إلى ويلز.
لكنّ مصدر الحجر المركزي، وهو لوح فريد يبلغ وزنه ستة أطنان مثبّت على جانبه في وسط الدائرة، بقي غير معروف.
وأشار الأستاذ لدى جامعة أبيريستويث في وسط ويلز والمشارك في إعداد الدراسة الجديدة ريتشارد بيفينز، إلى اعتقاد ساد لفترة طويلة بأن الحجر يعود أصله إلى ويلز، لكنّ الاختبارات التي جرت في هذا الخصوص «لم تفض إلى نتيجة».
وأوضح أن فريقاً من الباحثين البريطانيين والأستراليين وسّعوا آفاقهم واكتشفوا أمراً «مثيراً جداً». وباستخدام تحليل كيميائي، توصلوا إلى أن الحجر المركزي يعود أصله إلى حوض أوركاد في اسكتلندا، الذي يقع على بعد 750 كيلومتراً على الأقل من ستونهنج، بحسب الدراسة التي نشرت في مجلة «نيتشر».
صادم جداً
وقد دُهِش الباحثون من هذه النتيجة. وقال المشارك في إعداد الدراسة روبرت إيكسر من جامعة كوليدج لندن في بيان: «هذه نتيجة صادمة جداً». وأكد مشارك آخر في إعداد الدراسة هو نيك بيرس من جامعة أبيريستويث أن المسافة المذهلة كانت أطول رحلة مسجلة لأي حجر في ذلك الوقت.
وسبق أن أُثير بين علماء الآثار والمؤرخين نقاش بشأن قدرة الناس قبل حوالى 2500 سنة قبل الميلاد على نقل مثل هذه الحجارة الضخمة من ويلز.
وقال الباحثون إن حقيقة أن حجراً يبلغ طوله خمسة أمتار نُقل برحلة اجتازت مناطق كثيرة في المملكة المتحدة تشير إلى أن المجتمع في الجزر البريطانية كان منظماً جداً وعلى تواصل جيّد آنذاك.
ودعوا إلى إجراء مزيد من الأبحاث لمعرفة المكان الدقيق الذي أتى منه الحجر في اسكتلندا، وكيف وصل إلى ستونهنج.
وثمة نظرية تفيد بأن الحجر أُحضر إلى جنوب إنجلترا ليس بواسطة البشر؛ بل من خلال تدفقات الجليد المتحركة بشكل طبيعي.
لكنّ الأبحاث أظهرت أن الجليد كان في الواقع يحمل مثل هذه الحجارة «إلى الشمال بعيداً عن ستونهنج»، بحسب المعد الرئيسي للدراسة أنتوني كلارك من جامعة كيرتن الأسترالية.
أما الاحتمال الثاني، فيتمثل في قيام بناة العصر الحجري الحديث بنقل الحجارة فوق الأرض، على الرغم من أن ذلك كان صعباً جداً.
وأشار كلارك إلى أن الغابات الكثيفة والمستنقعات والجبال كانت كلها «حواجز مهمة» أمام الناقلين في عصور ما قبل التاريخ.
في غاية الأهمية
ثمة احتمال آخر هو أن الحجر نُقل عبر البحر. ولفت كلارك إلى أن هناك أدلة على وجود «شبكة شحن واسعة في العصر الحجري الحديث» كانت تنقل الفخار والأحجار الكريمة في مختلف أنحاء المنطقة. ولمعرفة مصدر الحجر، أطلق الباحثون أشعة ليزر على بلورات شريحة رقيقة منه.
وقال المشارك في إعداد الدراسة كريس كيركلاند من جامعة كيرتن، إن نسبة اليورانيوم والرصاص في هذه البلورات تعمل بمنزلة «ساعات مصغّرة» للصخور، ما يتيح تحديد عمرها.
وأشار إلى أن الفريق قارن بعد ذلك عمر الحجر بعمر الصخور الأخرى في مختلف أنحاء المملكة المتحدة وتوصّل «بدرجة عالية من التأكّد» إلى أن أصل الحجر يعود إلى حوض أوركاد.
وأوضحت عالمة الآثار لدى جامعة إكستر في المملكة المتحدة سوزان غريني، أن الدراسة أوجدت أول «رابط مباشر» بين جنوب إنجلترا وشمال اسكتلندا خلال تلك المرحلة. وقالت: «إن وضع هذا الحجر في وسط معلم أثري، يظهر أنهم كانوا يعتبرون الحجر والرابط مع المنطقة الشمالية، في غاية الأهمية».
https://tinyurl.com/5x7ukkbs