د. راسل قاسم*
الصراع سمة مرافقة للتواصل البشري، وصفة تلتصق بالعيش الجماعي، فلا تكاد تخلو ملحمة أو أسطورة من قصة صراع، كما لا يفوت أي نشرة أخبار يومية ذكر صراعات قاصية ودانية.
ومن الطبيعي أن يمتد الصراع ليشمل ميادين النشاط البشري كافة، فيقرع أبواب المؤسسات، ويحتل مكانه في أروقة العمل.
ونستخدم في المجال المهني الصراع للدلالة على الخلاف أو النزاع كحالة من التوتر التي تنشأ داخل المؤسسة بين الأفراد أو الجماعات، ويحدث هذا الصراع نتيجة لتعارض المصالح، أو الأهداف، أو القيم، أو الرؤى بين الأطراف المختلفة.
ومن المفيد أن أشير هنا إلى أن الصراع المؤسسي يكون على مستويات مختلفة، فيمكن أن يقع بين الأفراد، مثل الصراع بين المدير وموظف، أو بين المدير والاستشاري، أو بين الموظف وموظف آخر. كما يمكن أن يكون بين جماعات، كالصراع الأفقي بين إدارتين أو قسمين داخل المؤسسة، أو الصراع العمودي بين الإدارة العليا والإدارة الوسطى، أو حتى يمكن أن يكون بين المؤسسات أو بين المؤسسة وفئات من أصحاب العلاقة مثل الصراع بين الإدارة والمالكين.
ولكن هذا ليس كل شيء، فالصراع يمكن أن يكون داخلياً يعتمر داخل نفس الموظف، وذلك عندما يضطر أن يختار بين بدائل تتعارض مع مبادئه وقيمه، أو أن يجد نفسه في موقف عليه الاختيار فيه بين هدفين إيجابيين لا يمكن تحقيقهما معاً. وكأن هذا لا يكفي، فنجد الموظف يخوض صراعاً في بعض الأحيان بين الأدوار التي يقوم بها في عمله، وبين تلك التي يؤديها في حياته الشخصية نتيجة تعارضها.
السؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن، هل الصراع المؤسسي هو شر بالمطلق؟
أزعم أنني أحمل في جعبتي الإجابة، ولنتشاركها معاً، يجب أن نعرف أنه يوجد ما يسمى بالصراع المؤسسي المرغوب فيه، وهو مستوى من الصراع له نتائج إيجابية على المؤسسة وعلى العمل، ويتسم أطراف هذا الصراع بالحيوية وممارستهم للنقد الذاتي، والإيجابية في التعاطي مع المشكلات، والبحث عن حلول مناسبة لها.
أما إذا انخفض مستوى الصراع كثيراً أو انعدم في المؤسسة، فنعتبر ذلك حالة سلبية ضارة بالعمل، لأنها تؤدي إلى الخمول ونقص الأفكار والمبادرات، وانعدام التحدي.
كذلك الأمر إذا زاد الصراع في المؤسسة عند المستوى المرغوب، نصل إلى مرحلة التناحر، وضعف التعاون، وتعارض المصالح، والعشوائية في العمل.
لذلك، يتعين على الإدارة أن تكون قادرة على التعرف إلى هذه الصراعات في المؤسسة في مراحلها المبكرة، واتخاذ التدابير اللازمة لإدارتها بشكل فعال. ويتطلب ذلك استخدام مجموعة من الاستراتيجيات التي تتراوح بين التفاوض والتسوية، والتعاون، وأحياناً التنافس، بناءً على طبيعة الصراع والأطراف المعنية فيه. ليكون الهدف في النهاية هو تحويل هذا الصراع إلى قوة دافعة تسهم في تحسين الأداء وتحقيق الأهداف المشتركة. ويمكن للإدارة أن تستخدم تطبيقات نظرية الألعاب لإدارة الصراعات داخل المؤسسة، من خلال استخدام نماذج رياضية لتحليل المواقف التي تتعارض فيها مصالح الأطراف المختلفة، تمكّن نظرية الألعاب القادة والمديرين من التنبؤ بسلوك الأطراف المتنازعة واختيار الاستراتيجيات التي تزيد من فرص تحقيق الأهداف المؤسسية. فإذا تنافست إدارتان داخل المؤسسة على موارد محدودة مثل الميزانية أو الموظفين، فيمكن استخدام نظرية الألعاب لتحديد الاستراتيجيات المثلى لكل طرف. على سبيل المثال، يمكن تحليل سيناريوهات مختلفة لتحديد ما إذا كان من الأفضل لإدارة معينة تقديم تنازلات أو التمسك بموقفها القوي. هذا يساعد على الوصول إلى نتيجة تعاونية تحقق مكاسب متبادلة.
من المهم جداً إدراك أن الصراع المؤسسي أمر لا يمكن تجنبه تماماً، بل هو ضروري للنمو والتطور. المفتاح هو في كيفية التعامل معه، إذ إن القدرة على إدارة الصراع بفاعلية هي ما يميز المؤسسات الناجحة عن غيرها، وهي ما يعزز قدرة المؤسسة على التكيف مع التحديات بكفاءة وفعالية.
*خبير إداري