مايك دولان*
انتهت هذا الشهر لعبة القط والفأر التي استمرت لعامين بين المضاربين والسلطات اليابانية، والتي تضمنت رهانات متزايدة ضد الين بسبب فجوات أسعار الفائدة المتضخمة مع اقتصادات مجموعة السبع الأخرى.
وسبق انزلاق الين إلى أدنى مستوياته منذ أربعة عقود، شهور من التحذيرات الحكومية ثم نوبات دورية من التدخل لشراء العملة من قِبل بنك اليابان. ولكن عندما رفع الأخير أسعار الفائدة في الحادي والثلاثين من يوليو/تموز الماضي، وحذر من مزيد من الإجراءات، فجر فقاعة «صفقات الحِمل» وتحولت العملة بشكل عنيف، الأمر الذي أشعل شرارة تشنجات قصيرة الأجل في سوق الأسهم في طوكيو وفي مختلف أنحاء العالم. فهل انتهت المهمة؟
هناك مجموعة من الآراء التي تعتقد أن الأمر سيؤول إلى الأفضل، فبالعودة إلى فترات طويلة من التاريخ الحديث، كان خلالها بنك اليابان إما يشتري أو يبيع الين كل عامين أو ثلاثة أعوام لضبط تحركاته، كانت هناك دائماً فرصة، لأن تستعيد العملة عافيتها بسرعة مرة أخرى. وقد أثار فريق أبحاث الاقتصاد في «نومورا»، أكبر شركة وساطة في اليابان، نفس الاحتمال قبل انفجار الاثنين 5 أغسطس/آب 2024، حين شدد على ضرورة البدء بالنظر في التدخلات المحتملة في سوق الصرف الأجنبي من قِبل وزارة المالية للحد من قوة الين وليس إضعافه.
ولسنين طويلة، كانت أكثر حلقات التدخل في العملة شهرة هي الغزوات الجماعية لمجموعة الخمس ومجموعة السبع في عامي 1985 و1987، مع اتفاق بلازا السابق لإضعاف الدولار، أعقبه بعد عامين اتفاق اللوفر لدعم الدولار الذي كان، إلى جانب الين، في قلب تلك التقلبات.
ولكن التدخلات الخاصة بالين من جانب السلطات اليابانية، شهدت بالتناوب عمليات بيع وشراء رسمية للعملة عند مستويات قصوى تتراوح بين 150 و75 يناً مقابل الدولار كل بضع سنوات على مدى العقدين التاليين لانهيار العقارات في تسعينات القرن العشرين.
ومنذ ذلك الحين، مهدت المستويات المتطرفة لأسعار الفائدة المنخفضة في اليابان، وما نتج عنها من تضخم وانكماش في مضاربات «صفقات الحِمل»، الطريق أمام التقلبات والتجاوزات في كلا الاتجاهين.
وكان «الانحسار» الروتيني متمثلاً في ضعف الين، في حين كان «التدفق» عبارة عن ارتدادات مبالغ فيها في أوقات التوتر أو التقلبات مع تفجر صفقات الحمل، أو هروب المستثمرين اليابانيين من استثماراتهم في الخارج. وكان هذا أحد الأسباب الرئيسية وراء تصرف الين بصفته ملاذاً آمناً خلال أي صدمات سوقية في تلك الفترة وهو ما أدى إلى تفاقم التحركات في المزيج.
وبعد الأزمة المالية العالمية بين عامي 2007 و2008 بعقد، اقتربت أسعار الفائدة في كل بلدان مجموعة السبع تقريباً من مستوى الصِفر في اليابان، الأمر الذي أدى إلى خنق إغراءات صفقات الحِمل والسماح لسعر صرف الين المستقر نسبياً بتهميش مكاتب العملة مفرطة النشاط في بنك اليابان.
والواقع أن التدخل لم يكن مؤكداً بين صدمة الزلزال والتسونامي غير العادية في عام 2011 وعام 2022، عندما أدت ارتفاعات أسعار الفائدة في أماكن أخرى بعد الوباء وحرب أوكرانيا إلى عزل اليابان عند مستوى فائدة صِفري مرة أخرى، الأمر الذي أعاد إشعال فتيل تجارة الفائدة. وما التقلبات الجامحة في الأسابيع القليلة الماضية سوى تذكير بالميل المتأصل للعملة إلى تجاوز الحدود.
وعلى الرغم من أن الأسواق تعتقد الآن أن طوكيو ربما تكون أكثر حذراً بشأن رفع أسعار الفائدة مرة أخرى خوفاً من قلب سوق الأسهم رأساً على عقب كما حدث في وقت سابق من هذا الشهر، فإن آخر تحديث للناتج المحلي الإجمالي ربما يكون مشجعاً، مع اقتراب انتخاب رئيس وزراء جديد قريباً، وترجيحات بدء الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة الشهر المقبل.
بطبيعة الحال، تراجعت عائدات السندات اليابانية القياسية لأجل عامين إلى ما دون 30 نقطة أساس من أعلى مستوياتها في 15 عاماً، والتي اقتربت من 50 نقطة أساس في بداية الشهر. ونظراً لهذا وحده، فإن أي اقتراح برفع أسعار الفائدة سوف يبرر إعادة تسعير كبيرة.
ولكن الفجوة في العائد مع بقية دول مجموعة السبع بدأت بالفعل في التضاؤل. فقد انخفضت فروق العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عامين بنحو 1.1 نقطة مئوية في أكثر من ثلاثة أشهر بقليل، وسيتطلب الأمر خفضاً آخر بنحو 1.7 نقطة من هذا الفارق للعودة إلى متوسط عشر سنوات، وقد يحدث هذا بسرعة نسبية إذا كان قادماً من الجانبين.
في المقابل، ربما يكون الخوف من تعهدات ترامب التجارية واسعة النطاق بفرض تعريفات جمركية جديدة، إذا عاد رئيساً، سبباً آخر لليابان لتأجيل تحركاتها قليلاً. وإذا ارتفعت قوة الين إلى حد كبير وبسرعة كبيرة، فستكون هناك بالتأكيد تدخلات للتهدئة.
*محرر الأسواق المالية في «رويترز»