د. باسمة يونس
مع التطورات السريعة في التقنيات ظهرت برامج وتطبيقات تستخدم الذكاء الاصطناعي لإنتاج أعمال فنية بشكل سريع، وبتكاليف منخفضة، ما دفع الفنانين والمبدعين في الفن إلى التخوف منه، وأثار معظمهم التساؤلات المتشككة حول ما إذا كان المستقبل سيشهد تراجعاً في الحاجة إلى الفنانين والخطاطين التقليديين، مقابل رواج التقنيات المعززة فيه، وزيادة المؤمنين بقدرته على المنافسة، والمستعدين لاستبداله بالبشر .
وإلى اليوم، لا يــزال الذكــاء الاصطناعي في عصرنا الرقمي الحديث محور النقاش الرئيسي في مختلف المجالات، لكنه نقاش سلبي بعض الشيء، فما يتعلق بالفن، لأنه يدور حول مخاطر هذه التطورات، وما ستجره على البشرية من ويلاتن وأخطرها، وأكثرها جدلاً ما يتعلق بقدرته على الحلول محل الخطاط والفنان التشكيلي بدلاً من التكامل معهما.
وللإجابة عن هذا السؤال ينبغي أولاً الثقة بقيمة المهارات والإمكانات التي يتمتع بها الفنان، ومعنى الإبداع الذي ندرك جميعاً أنه الإنتاج المتفرد وغير المسبوق، والقادر على بث رسالة من خلال عمله، ومقارنته بما لدى الذكاء الاصطناعي من قدرات، وأقصى حدود ما يملكه من إبداع.
كما علينا تعديل محور النقاش وإبعاده عن التركيز على مخاطره وسلبياته على البشر، لأنه ابتكر لمساعدة الناس، وتقديم الخدمات والتسهيلات لهم، وليس للحلول محلهم، بأي شكل من الأشكال، ويكفي أن نعلم بأن خوارزميات الذكاء الاصطناعي القادرة على توليد لوحات، تفعل ذلك بأسلوب فنانين مشهورين، مثل فان جوخ، أو بيكاسو، وابتكار خطوط عربية تبدو معقدة وجميلة/ لكنها تُبنى على الإبداع البشري الموجود .
إن القدرات المذهلة للذكاء الاصطناعي في مجال الفن، لا تستطيع تجاوز حدود الآلة، وتفتقر إلى الجوانب الإنسانية والفنية العميقة التي يصعب استبدالها بالتكنولوجيا، علاوة على أن الفن ليس مجرد عملية تقنية يمكن تكرارها بشكل آلي، بل هو تعبير عن التجارب الإنسانية، والمشاعر، والتفكير النقدي، وأعمال يضفي عليها الفنانون والخطاطون جزءاً من أنفسهم، سواء من خلال أسلوبهم المميز، أو من خلال المعاني والرموز التي يستخدمونها.
ومما لا شك فيه، أن الفنان لا يُعد فناناً ما لم يبدع في ابتكاراته، ويأتِ بما لم يسبقه إليه أحد، بينما تقتصر قدرات الذكاء الاصطناعي على تعلّــم الآلات والشبكـــات العصبية العميقة، وتحليل وفهم الأنماط الفنية، سواء كانت في الرسم، أو الخط العربي، وإعادة إنتاجها، أو حتى ابتكار تصاميم تبنى على هذه الأنماط، وتكتفي بالجمال البصري وحده، لعدم قدرته على توفير معنى إنساني لما ينتجه، وهذا يبشر الفنانين بأنه لا يستطيع احتلال مكانتهم، بل سيبقى مجرد أدوات لمساعدتهم على الإبداع، وتسهيل مهامهم فيه.
وبدلاً من النظر إليه كتهديد، نستطيع رؤيته كأداة ابتكارية مفيدة تساعد الفنانين والخطاطين على توسيع حدود إبداعهم، سواء كان ذلك في توليد أفكار جديدة، أو في تنفيذ أعمال معقدة يصعب تنفيذها بالطرق التقليدية، وغير ذلك.
وقد بدأ العديد من الفنانين المعاصرين بالفعل، باستخدام الذكاء الاصطناعي كجزء مساهم في
دفع هذا الإبداع، وتطويره، لما يمثله من إبداع في مجال الفن والتصميم، وليس العكس، ومن غير المرجح أن يحلّ محل الخطاطين والفنانين التشكيليين، لأن الفن تجربة إنسانية تتجاوز القدرة التقنية للآلات.
وللإجابة عن السؤال المطروح عن قدراته وحدودها، فلا شك في أنه يستطيع أن يكون شريكاً إبداعياً يعزز من قدرات الفنانين، ويفتح أمامهم آفاقاً جديدة، لكن الفن سيبقى نتاجاً للإبداع البشري، أولاً وأخيراً، حيث يمكن للتكنولوجيا أن تكون أداة، لكنها لن تحلّ محل الروح الإنسانية التي تجعل من الفن تجربة فريدة، ومعبّرة.