ليس قراراً سياسياً

00:39 صباحا
قراءة دقيقتين

لا ردّ رسمياً حتى الآن، ولا ينتظر ظهوره، على ما وُصف بأنه مبادرة من جماعة «الإخوان المسلمون» أو طلب للتصالح مع النظام المصري إيذاناً بعودة أعضائها الهاربين إلى الخارج منذ 2013 والإفراج عن المسجونين منهم في إطار عفو عام يقابله عدم انخراط في العمل السياسي لعشر سنوات أو خمس عشرة سنة والاكتفاء بالنشاط الدعوي.
الطلب الذي راج إعلامياً على لسان شخصيات إعلامية محسوبة على الجماعة برغبة من قيادي فيها هو، من حيث الشكل، مجرد جس نبض فيه قدر من المراوغة التي تعد من أهم صفات «الإخوان المسلمون» عبر التاريخ، ويمكن بسهولة التبرُّؤ من هذا المسعى إذا قابله رفض أو تشكيك رسمي أو شعبي والقول إنه مجرد اجتهاد من أشخاص في الجماعة، أو جناح فيها، أو من بعض القيادات فيها، وإنه لا يعكس رغبة شبابها، أو يثير الانقسام بين من بقي منهم في مصر أو يعيش في الخارج.
من هنا، فإنه لا يكون تعامل النظام المصري مباشرة مع مجرد تحرك إعلامي أو تعبير عن رغبة تعكس مجدداً غياب وعي الجماعة بحجم ما اقترفت على الأقل منذ 2011، إذا كنا نتحدث فقط عن التاريخ القريب، وحتى إذا توافقت الجماعة بتشعباتها الحالية على طلب العفو رسمياً من السلطات المصرية مقابل العودة إلى الحركة الدعوية لمدة من دون عمل سياسي، فإن الملف ليس بهذه السطحية أو السهولة.
مرة أخرى، إذا كانت محاسبة الجماعة على 14 عاماً مضت، فإن في سجلاتها ما يحتاج إلى عقود طويلة للتطهر، ولن يكون أيضاً كافياً للوثوق في «الإخوان المسلمون» التي تحفل علاقاتها بالنظام في مصر منذ 1952 بانقلاباتها الحادة والكمون والظهور وفق ما يخدم أهدافها وارتباطاتها.
ومن دون استدعاء وقائع سبقت 2011، وأصبحت من المعلوم بالضرورة من تاريخ الجماعة، فإن عنف نهجها منذ ذلك العام ومخاصمتها في كل تحركاتها للمجموع الوطني، بحثاً عن مصلحتها فحسب، يكفيان للتشكك في كل مبادرة لفريق فيها أو لغالب المنتمين إليها. إن التجربة الإخوانية منذ يناير/ كانون الثاني 2011 بدّدت كل ثقة في الجماعة وأفقدتها، شعبياً، ما عاشت عليه طويلاً من التعاطف المؤسس على مشاعر دينية، وادّعاء المظلومية والإقصاء.
لذلك، فإن مشكلة «الإخوان المسلمون» الأولى ليست مع النظام المصري وحده من الناحية القانونية، بل لها وجه شعبي جليّ الملامح بعد أن تصادم أداؤها مع رغبات الأغلبية، واختارت الخروج على أي مسار للتوافق والإصرار على أداء عنيف أناني لم يغتنم لحظة استثنائية في التاريخ أو منعطفاً حاداً وخاطئاً في حركته وضعها على عرش مصر.
والأهم، أن أزمة الجماعة ليست مع مصر، نظاماً أو شعباً، فقط؛ فبلد التأسيس والتطور كان ميدان التجربة الكاشفة لموقف «الإخوان المسلمون» من كل المنطقة والتحالفات التي كادت تعصف بها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4e3yreph

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"