عادي

عذبُ الكلام

23:36 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.
* في رحاب أمّ اللغات
من بدائع الجِناس، قولُ جميل بثينة:
خَـلـيـلـيَّ إنْ قـالـتْ بُـثَـيْـنَـةُ: مـا لَهُ
جَـفانا بـلا ذَنْـبٍ؟ فـقــولا لَـها: لَـها
سَــها وهْـوَ مشْـغُـولٌ لِـفَـرْطِ الّـذي بِـهِ
ومَنْ بَاتَ طُولَ اللَّيْلِ يَرْعَى السُّها سَها
بُثَيْنَةُ تُـزْرِي بِـالغَـزَالَةِ فـي الضُّحَى
إذا طَلعَـتْ لَـمْ يَـبْـقَ يَـوْماً بِـها بَها
(السُّها: نَجْم في السّماء. الغَزالة: الشّمس)
وقول ابن الفارض:
هَلّا نَهاكَ نُهاكَ عَنْ لَوْمِ امْرئٍ
لَمْ يُلْفَ غَيْرَ مُنَعَّمٍ بِشَقاءِ
* دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر
قالتْ مَلَلْتُكَ
عمر أبو ريشة
(من البسيط)
قالتْ مَلَلْتُكَ إذْهَبْ لَسْتُ نادمةً
على فِراقِكَ إنَّ الحُبَّ ليْسَ لَنا
سَقَيْتُكَ الْمُرَّ مِنْ كأسي شَفَيْتُ بِها
حِقْدي عَلَيْكَ ومالي عَنْ شَقاكَ غِنى
حَسِبْتُ دُنْيا نَعيمي فِيكَ ماثِلةً
فَخابَ ظنّي فَألْفَيْتُ النَّعيمَ ضَنا
لَنْ أَشْتهي بَعْدَ هذا اليومِ أُمْنِيةً
لَقَدْ حَمَلْتُ إلَيْها النَّعْشَ والكَفَنا
قَالَتْ وقالَتْ.. ولَمْ أَهْمِسْ بِمَسْمَعِها
ما ثارَ مِنْ غُصَصي الحَرّى وما سَكَنا
تَرَكْتُ حُجْرَتَها والدِّفْءَ مُنْسَرباً
والعِطْرَ مُنْسَكِباً والعُمْرَ مُرْتَهنا
وسِرْتُ في وَحْشَتي واللَّيلُ مُلْتَحِفٌ
بالزَّمْهَريرِ وما في الأُفْقِ ومضُ سَنا
ولَمْ أَكَدْ أَجْتلي دَرْبي على حَدَسٍ
وأَسْتَلينُ عَلَيْهِ الْمَرْكَبَ الخَشِنا
حَتَى سَمِعْتُ ورائي رَجْعَ زَفْرَتِها
حَتَّى لَمَسْتُ حِيالي قَدَّها اللَّدِنا
نَسيتُ ما بي وهَزَّتْني فُجاءَتُها
وفَجَّرَتْ مِنْ حَناني كُلّ ماكَمَنا
وصِحْتُ: يا فِتْنَتي ما تَفْعَلينَ هنا؟
الْبَرْدُ يُؤذيكِ عُودي؛ لَنْ أَعودَ أنا
* من أسرار العربية
في أوصاف المحاسن: الطَيِّبُ النَّفْسِ الضَّحوك: فَكِهٌ. والفاكِهُ: المَزّاحُ. السَّهْلُ اللَيِّنُ: دَهْثَمٌ. الكَرِيمُ الطَّرَفَيْنِ الشَرِيفُ الجَانِبَيْنِ: مُعَمٌّ مُخْوَل. العَبِقُ اللَّبِق: صَعْتَرِيٌ. الظَّرِيفُ الخَفيفُ الكَيِّسُ: بَزِيعٌ (لا يُوصفُ بِهِ إلا الأحْدَاثُ). الحَرِكُ الظَّرِيفُ المُتَوَقِّد: زَوْلٌ. الحاذِقُ الجَيِّدُ الصَّنْعَةِ فِي صِنَاعَتِهِ: عَبْقَرِيٌّ. الواسِعَ الخُلُقِ: قَلمَّسٌ؛ قال الشاعر:
تَثَعْلَبْتَ إذْ زَرْتَ ابنَ حَرْبٍ ورَهْطَه
وفي أرْضِنا أنتَ الهُمامُ القَلَمَّـسُ
وفي المساوئ: الساقِطَ النَّفْسِ والهِمَّةِ: وَغْدُ. المُزْدَرى في خَلْقِهِ وخُلُقِهِ: نَذْلٌ. ضِدٌّ للكَرِيمِ: لَئِيمٌ. لا مُروءَةَ لهُ: فَسْل. مَعِ لؤْمِهِ وخِسَّتِهِ ضَعِيفٌ: نِكْسٌ وجِبْسٌ. لا يُدْرَكُ ما عِندهُ مِنَ اللُّؤْمِ: أَبَلُّ. الزَّائدُ في لؤْمِه: عُكْلٌ؛ قال الشاعر:
جاءتْ بِهِ عُجُزٌ مُقابَلَةٌ
ما هُنَّ مِنْ جَرْمٍ ولَا عُكْلِ
وعُكْلٌ وتَيْمٌ وعَدِيٌّ: قَبائِلُ عربية.
* هفوة وتصويب
ما يزال كثير من الإعلاميين يردّدون هذه العبارة «وغَطّى الصحفيون أحداث المؤتمر»، ويقصدون كانوا يتابعونها.. وهذا خطأ أشرنا إليه؛ في صحيح اللغة غَطّه في الماء يَغُطُّه ويَغِطُّه غَطّاً: غَطَّسَه وغَمَسَه. وغَطَّ في نومه يَغِطُّ غَطِيطاً: نَخَرَ. الغُطاطُ، بضم الغين: الصبح، وقيل: اخْتِلاطُ ظَلام آخر الليل بِضياء أَوّل النهار. وغَطَّى الشيءَ يَغْطِيه غَطْياً وأَغْطاه وغَطَّاه: سَتَره وعَلاه؛ قال:
أَنا ابنُ كِلابٍ وابنُ أَوْسٍ فمَنْ يَكُنْ
قِناعُه مَغْطِيّاً فإِنّي مُجْتَلى
وفلانٌ مَغْطِيُّ القِناعِ إِذا كان خامِلَ الذِّكْرِ؛ وقال حسان:
رُبَّ حِلْمٍ أَضاعه عَدَمُ المال
وجَهْلٍ غَطَّى عليه النَّعِيمُ
إذن الصواب القول «تابعَ الصحفيّونَ المؤتمر».
* من حكم العرب
وما طالِبُ الحاجاتِ مِن كُلِّ وجْهَةٍ
مِنَ الناسِ إِلّا مَنْ أَجَدَّ وشَمَّرا
فَسِرْ في بِلادِ اللَّهِ والْتَمِسِ الغِنى
تَعِشْ ذا يَسارٍ أَو تَموتَ فَتُعْذَرا
البيتان لعروةَ بن الورد، يقول إن الحياة الآمنة الهانئة، تتطلّب بذل الجهد وخوض الصعاب، فهذا هو الضمان لعيش كريم.. بذلك يعيش المرء غنيّاً عن سؤال أحد.. وإذا ما وافاه حتفه، فإنه يكون معذوراً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ys5t42md

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"