يبدو أن حكومة بنيامين نتنياهو باتت في موقف لا تحسد عليه، فرغم لجوئها إلى أعتى الأسلحة، فإنها لم تتمكن من الوصول إلى ما رمت إليه، وما زاد الطين بلة التخبط اليميني المتطرف، في عدم تمكن آلته الحربية من تحقيق أهدافها، رغم مرور أكثر من عشرة شهور، ومقتل عدد من الأسرى الذين ادعى نتنياهو أنه شن حربه لتحريرهم.
أمام هذا الفشل الذريع، هناك خياران أمام نتنياهو، أولهما إشعال حرب أخرى في الشمال؛ بحيث يُرضي الأصوات المتطرفة داخل حكومته، الذين يدفعون لإشعالها، ونتيجة لذلك فإن وزير الدفاع يوآف غالانت سار على نهج بيني غانتس، وقدم خريطة للمعركة ذاتها التي وضعها الأخير قبل استقالته من حكومة الحرب، ورسم أبعادها ونتائجها. أما ثاني الخيارات، فهو اللجوء إلى إشعال الضفة الغربية، ودفع المستوطنين المتطرفين إلى تنفيذ اقتحامات بين الفينة والأخرى للمسجد الأقصى؛ بهدف إرضائهم، وأيضاً الحصول على ردة فعل عارمة من الفلسطينيين، تعطيه الذريعة للاستمرار في حربه على غزة، وفي الوقت ذاته يضيق الخناق أكثر على الضفة، بسلب المزيد من الأراضي ومنحها للمستوطنين.
ويبدو أن الاحتمال الثاني أكثر ترجيحاً لديه؛ لأنه أقل كُلفة سياسياً، وأمام الرأي العام العالمي وحليفته واشنطن.
يدرك نتنياهو أكثر من غيره، أن معركة الشمال في حال فكر في خوضها ستكلفه الكثير، وستعرضه لغضب هو في غنى عنه من حليفته الاستراتيجية واشنطن، التي لا تود العودة إلى مستنقع المنطقة من جديد، لكنه يدرك أيضاً أن الرأي العام الإسرائيلي يريد انتصاراً يعيد له الأمل في أنه غير مهدد، وأنه يعيش بدولة لها كيانها وقدرتها على حمايته.
ومن المؤكد أنه لن يظل صامتاً أمام الفشل الذريع الذي تكبده جيشه بعدته وعتاده في غزة، والذي كان يوماً ما يتغنى بأنه من أقوى الجيوش في العالم، وبناء على هذين الإدراكين، يلجأ نتنياهو إلى سياسة العصا والجزرة، سواء مع الداخل الإسرائيلي أو مع واشنطن، فهو من ناحية يشن على فترات متباعدة ضربات يسميها بـ«الاستباقية» محدودة في لبنان؛ بحيث يحافظ على جبهة الشمال منضبطة، ولا يضطر إلى تجميد مخططاته في غزة، ويمتص في الوقت ذاته غضب واشنطن وينال مباركتها في حربه على غزة وفي ضرباته للبنان، باستهدافات موضعية لا تجر إلى حرب شاملة، كاغتيال صالح العاروري وفؤاد شكر في جنوب لبنان.
تكمن معضلة نتنياهو في حال استمر مقتل الأسرى الإسرائيليين في غزة؛ لأنه عندئذ سينقلب السحر عليه، وسيضطر حينها للجوء إلى جبهة أخرى، وسواء فاضل بين الضفة والشمال، فإنه لن يقوى على أي منهما؛ لهذا ليس أمامه إلا أن ينهي حربه على غزة؛ لأنها عنوان أي مرحلة مقبلة، وستبرد جميع الجبهات.
علي قباجة
https://tinyurl.com/2hz3zyrp