ثلاثية الإمارات في حرب أوكرانيا

00:59 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. صلاح الغول*

للمرة السابعة منذ بداية العام الجاري، وللمرة الأولى بُعيد التوغل الأوكراني في مقاطعة كورسك الروسية، في السادس من شهر أغطس/ آب الماضي، والذي أشيع أنه يُعطل جهود الوساطة الدولية التي كانت جارية قبله، تم الإعلان عن نجاح الوساطة الإماراتية بين طرفي الحرب الروسية -الأوكرانية، في إطلاق سراح 230 أسيراً مناصفة بين الجانبين.
ولعل ذلك يقودني إلى تركيز الضوء على الدور الإماراتي ثلاثي الأبعاد في الحرب، والذّي يتضمن الوساطة في تبادل الأسرى، والإغاثة والمساعدات الإنسانية للأوكرانيين داخل أوكرانيا ودول جوارها الإقليمي، والمساعي الحميدة بين طرفي الحرب لأغراض بناء الثقة بينهما والتسوية السلمية للصراع. ومن أجل ذلك، عمد المسؤولون في دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى بناء علاقات قوية مع صناع القرار في كل من روسيا وأوكرانيا، في إطار الرؤية الشاملة للإمارات في معالجة الصراعات في مناطق مختلفة من العالم.
وإذا بدأنا بالوساطة الإماراتية في تبادل الأسرى، فإننا سنجد أن الدولة أنجزت سبع صفقات بين روسيا وأوكرانيا، أولاها كانت في 2 يناير/ كانون الثاني من العام الجاري 2024، وآخرها في نهاية الأسبوع المنصرم (25 أغسطس)، حيث وصل إجمالي عدد الأسرى الذين تم تبادلهم إلى 1788 أسيراً.
أما بالنسبة إلى المساعدات الإنسانية المقدمة إلى أوكرانيا منذ اندلاع الصراع الدامي هناك، فسوف نجد أن دولة الإمارات تُولي أهمية بالغة للوضع الإنساني في أوكرانيا، وإتاحة دخول الوكالات الإنسانية إليها، وإنشاء ممرات آمنة في المناطق المتضررة من الحرب.
وقدمت الإمارات مساعدات إغاثية عاجلة للمدنيين المتضررين، سواء من كانوا داخل أوكرانيا، أو اللاجئين الأوكرانيين في دول الجوار منذ اندلاع الحرب في فبراير/ شباط، من عام 2022، حيث وصلت أول شحنة مساعدات في مارس/ آذار، من العام نفسه.
ومنذ ذلك الحين، تم تدشين جسر جوي إماراتي متصل من الإمدادات الإغاثية تشمل مواد غذائية، وطبية، وتعليمية، ومدنية، إلى أوكرانيا، فضلاً عن إرسال باخرة تحمل 250 طناً من المساعدات الإغاثية (أغسطس 2023)، كما تم إرسال طائرات إمدادات إغاثية إماراتية للاجئين الأوكرانيين في كل من بولندا، ومولدوفا، وبلغاريا، وهي دول جوار أو قريبة إلى أوكرانيا.
ومنذ زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى موسكو في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2022، تواصل الإمارات مساعيها الحميدة لإيجاد حل سلمي للصراع الروسي - الأوكراني، ودعم كل الجهود الدولية ذات الصلة في خطوات تتسق مع أهدافها ورسالتها السامية في معالجة الأزمات الإنسانية.
وبُعيد هذه الزيارة بنحو شهرٍ تقريباً، استضافت العاصمة أبوظبي ممثلين عن كل من روسيا وأوكرانيا، لمناقشة إمكانية تبادل أسرى الحرب، واستئناف صادرات الأمونيا الروسية إلى كل من آسيا وإفريقيا، عبر خط أنابيب أوكراني، ورفدت الزيارات المتبادلة بين الإمارات وروسيا، وعضوية الإمارات في مجلس الأمن الدولي (2022-2023) هذا المسعى الإماراتي للتسوية السياسية لحرب أوكرانيا.
وإضافة إلى إنجاز الغرض الإنساني المتعلق بتخفيف معاناة الأوكرانيين المتضررين من الحرب داخل أوكرانيا وخارجها، وضمان حياة جديدة لمئات الأسرى، وبناء بعض الثقة بين طرفي الحرب، يُلفت الدور الإماراتي ثلاثي الأبعاد المذكور آنفاً إلى إمكانية التسوية السياسية للحرب ويعالج الأسباب التي أدت إليها.
ويجدر بنا أن نتساءل عن عوامل نجاح الإمارات في تحقيق هذه الأهداف.
هنا، لابد من الإشارة إلى علاقات الصداقة والشراكة المتوازنة التي تربط الإمارات العربية المتحدة بكل من روسيا وأوكرانيا، ما جعل الإمارات وسيطاً موثوقاً به لدى الطرفين، وجهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وسمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، في هذا الخصوص، كان لها الأثر الكبير في قبول الطرفين بوساطة الإمارات في مجال تبادل الأسرى، كما تجب الإشارة إلى كفاءة الدبلوماسية الإماراتية ومرونتها، وكون البعد الإنساني أحد أبعادها الرئيسية.
والحق أنّ الوساطة الإماراتية بين كل من روسيا وأوكرانيا تُعد الجهد الأكثر تنسيقاً منذ بداية الحرب بين البلدين في فبراير/ شباط، من العام 2022.
وإجمالاً، فإن الدور الإماراتي في الحرب الجارية بين البلدين، طوال الفترة المنصرمة، أسهم في تعزيز الصورة الدولية للإمارات كوسيط فعّال في الصراعات الدولية، وأبان عن قدرة الإمارات على العمل بشكل متناغم مع القوى الدولية الكبرى، إذ أصبحت الإمارات نقطة اتصال للمنظمات الدولية المهتمة بتبادل الأسرى، ومعالجة الجوانب الإنسانية للحرب، وغيرها من المبادرات التي تحمل الطابع الإنساني والإغاثي.
وعلى الرغم من وجود بعض الانتقادات الغربية للحياد الإماراتي تجاه الحرب الروسية -الأوكرانية، تواصل دولة الإمارات مساعيها في دعم جهود التسوية السلمية للحرب، ولا تزال ملتزمة بالجهود الإنسانية تجاه طرفيها، وتحافظ على اتصال مستمر مع كبار المسؤولين الأمنيين في كل من موسكو، وكييف.
لذلك، نجد أنّ روسيا وأوكرانيا حريصتان على مواصلة جهود الوساطة الإماراتية ودعمها، ويمكن التدليل على ذلك، ما أشار إليه الرئيسان الروسي، فلاديمير بوتين، والأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، اللذين أعربا في مناسبات عدة، عن شكر وتقدير بلديهما إلى دولة الإمارات، وقيادتها الرشيدة في نجاح جهود الوساطة التي بذلتها، كما أشادا بدور الإمارات الإنساني، ومساعيها في تسوية الحرب الروسية - الأوكرانية، كما لاقى موقف الإمارات إشادة دولية واسعة، لأنها لعبت دوراً مميزاً لإنجاز وساطاتها، التي أسهمت في معالجة جوانب إنسانية، وتمكنها من إنجاز أكثر من صفقة تبادل للأسرى.
[email protected]
* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y668wsz9

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"