الترجمة صوت الحضارة

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

مرت سنوات طويلة على تقرير التنمية العربية، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2003، بما أثاره من جدل حول تراجع معدلات الترجمة في العالم العربي قياساً إلى ثقافات أخرى، وعلى الرغم من أن العديد من المؤسسات الحكومية والثقافية العربية من المحيط إلى الخليج قد وضعت الترجمة على رأس أولوياتها خلال العقدين الماضيين، فإن تقريراً مماثلاً عن ما تم إنجازه في مجال الترجمة في مختلف الأقطار العربية لم يصدر حتى الآن، ما يدفع المتابع للسؤال عن مدى التقدم الذي حققناه في مجال الترجمة؟ وما هو موقعنا في العالم في ما يتعلق بهذا الحقل المعرفي المهم؟ والأهم من ذلك هل هناك أي تقدم في الترجمة الأخرى، أعني ترجمة الثقافة العربية إلى الآخرين؟
تعكس الترجمة الوضع الحضاري لأية أمة، كما أنها تضم مجموعة من العمليات الطويلة والمعقدة التي تعبر عن حال المعرفة في ثقافة ما، والملاحظ أنه على الرغم من الجدل الذي أثاره تقرير التنمية الإنسانية العربية السابق الإشارة إليه، فإن حواراً مجتمعياً عاماً لم يتأسس في ما يخص مختلف قضايا الترجمة، وهي قضايا متنوعة وتتعلق بكل حقول المعرفة.
في البداية لم نسأل ما الذي نود ترجمته عن الثقافات الأخرى؟ هل تقتصر ترجمتنا على الأدب والفنون والفلسفة؟ أم نترجم العلوم أيضاً؟ ما هي اللغات التي يجب أن نمنحها أولوية عندما نترجم؟ وهل نظل أسرى المركز المعرفي الغربي أم ننفتح على ثقافات أخرى بعيدة عنا لا نعرف عنها شيئاً أو تتسم خبرتنا بها بالمحدودية؟ ماذا عن ثقافات إفريقيا جنوب الصحراء، على سبيل المثال؟
الملاحظة الأولى التي يمكن أن يخرج بها متابع أوضاع الترجمة أننا ركزنا على الكم، كان هناك لهاثاً وفوضى في ترجمة بعض الأعمال، لدرجة أن المتجول في أي مكتبة أو معرض كتاب يشاهد ربما ثلاث أو أربع ترجمات للكتاب الواحد، الملاحظة الثانية أننا لا نزال أسرى اللغات الغربية الأساسية، الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، تحديداً، وإذا ترجمنا عن لغة جديدة كان ذلك في الأغلب عبر لغة أوروبية وسيطة، والملاحظة الثالثة أن ترجمة الأدب، الرواية بصفة خاصة، تحوز نصيب الأسد في مجمل ترجماتنا، أما الملاحظة الأهم فتتمثل في ذلك الفقر الواضح في ترجمة العلوم.
إن كل ترجمة هي تعريف بالذات، وهذا التعريف لا يتعلق بالنواحي الثقافية وحسب، لكنه يرتبط أيضاً بالجوانب السياسية والاقتصادية، ويتعلق بالنفوذ الحضاري، في حقبة الستينات من القرن الماضي كان هناك سباقاً بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية على الوصول إلى العالم العربي من خلال مشاريع تبنت ترجمة الأدب الروسي والأمريكي، الأمر الذي أدركته الصين خلال السنوات الأخيرة فأسست «بيت الحكمة» في القاهرة، وهو مؤسسة معنية بترجمة الفكر والأدب والفنون الصينية إلى العربية، وصدر عن البيت عشرات الترجمات التي تعرف بالصين، ما يدفع إلى السؤال: هل هناك مؤسسة عربية شبيهة تقوم بالمهمة نفسها في أي مكان في العالم؟
إن الترجمة صوت أية حضارة تريد أن يسمعها العالم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mwe8w4vh

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"