إعداد: فوّاز الشعّار
لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.
في رحاب أمّ اللغات
من بدائع وصف الشعراء للحُسن والجَمال، قولُ ابنِ المُعتزّ:
ريمٌ يَتيهُ بِحُسْنِ صُورَتهِ
عَبَثَ الفُتورُ بِلَحْظِ مُقْلَتِهِ
وكأنَّ عَقْربَ صُدْغِهِ وقَفَتْ
لمّا دَنَتْ من نارِ وجْنَتهِ
وقولُ ماني المُوَسْوِس:
وما غاضَتْ محَاسِنُهُ ولكنْ
بماءِ الحُسْنِ أورَقَ عارِضاهُ
سَمِعْتَ بهِ فَهِمْتَ إليهِ شوقاً
فكيفَ لكَ التَصبُّرُ لو تراهُ
دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر
حَلَفْتُ بالشّام
بدوي الجبل
(الطويل)
حَلَفْتُ بالشّامِ هذا القَلْبُ ما هَمَدا
عِنْدي بَقايا مِنَ الجَمْرِ الّذي اتَّقَدا
لَثَمْتُ فيها الأَديمَ السَّمْحَ فَالْتَهَبْتْ
مَراشِفُ الحورِ مِنْ حَصْبائها حَسَدا
تَفَرَّدَ اللهُ بالأَرْواحِ يُبْدِعُها
مِنْ سِرِّهِ لَمْ يُشارِكْ غَيْبَهُ أَحَدا
ومَيَّزَ الشّامَ بالنُّعْمى ودَلَّلَها
فَمِنْ ثَرى الشَّامِ صاغَ الرُّوحَ والجَسَدا
وَجْهُ الشَّآمِ الّذي رَفَّتْ بَشاشَتُهُ
مِنَ النَّعيمِ لِغَيْرِ اللهِ ما سَجَدا
أَنْحى على الشّامِ أَرْيافاً وحاضِرَةً
فَلَمْ يَدَعْ سَيِّداً فيها ولا لَبِدا
دَعِ الشّآمَ فَجَيْشُ اللهِ حارِسُها
مَنْ يَقْحَمِ الغابَ يَلْقَ الضَّيْغَمَ الحَرِدا
ضَمَّتْنِيَ الشّامُ بَعْدَ النّأيِ حانِيَةً
كالأمِّ تَحْضُنُ بَعْدَ الفُرْقَةِ الوَلَدا
عادَ الغَريبُ ولَمْ تَظْما سَريرَتُهُ
فَقَدْ حَمَلْتُ مَعي في غُرْبَتي بَرَدى
أنا الوَفِّيُّ وتَأبى الغِرُّ مِنْ شِيَمي
كُفْرانَ نِعْمَةِ مَنْ أَسْدى إلَيَّ يَدا
من أسرار العربية
في الكليات: كُلُّ ريحٍ تَهُبُّ بينَ رِيحَينِ: نَكْباءُ. لا تُحرِّكُ شَجَراً ولا تُعَفِّي أثَراً: نَسيمٌ. كُلُّ عظْم مستدَيرٍ أجْوَف:َ قَصَبٌ. عريضٍ: لَوْحٌ. كُلُّ جِلْدٍ مدْبُوغٍ: سِبْتٌ. كُلُّ صانعٍ: إسْكافٌ. كُلُّ عامل بالحديدِ: قَيْنٌ. ما ارتَفَعَ منَ الأرض: نَجْدٌ. ما سَدَدْتَ به شيئاً: سِدَادٌ، مِثْلُ سِدادِ القارورةِ، والثَّغْرِ. المال النَفيسٍ: غُرَّةٌ، فالفَرَسُ غُرَّةُ مالِ الرجلِ، والنَّجِيبُ غُرَّةُ مالِهِ.ما أَظَلَّ الإِنسانَ فوقَ رَأْسِهِ من سَحَابٍ أو ضَبَابٍ أو ظِلّ: غِيابٌ. ما يرُوعُكَ منه جَمالٌ أو كَثْرَة: رائعٌ. ما اسْتَجَدْتَهُ فَأَعْجَبَكَ: طُرْفَةٌ. ما حلَّيْتَ بهِ امرأةً أو سيفاً: حَلْيٌ. ما يَسْتَلِذُّهُ الإِنسانُ من صَوْتٍ حَسَنٍ طَيِّبٍ: سَمَاعٌ. الصائتٍ المُطْرِبِ الصَّوتِ: غَرِدٌ ومُغرِّدٌ. ما أَهْلَكَ الإِنْسانَ: غُولٌ. الشَهرٍ في صَمِيمِ الحرِّ: نَاجِرٌ، قال ذو الرُّمّة: (من الطويل):
صَرىً آجِن يَزْوِي لَهُ المَرْءُ وَجْهَهُ
إذَا ذَاقَهُ الظَّمْآنُ في شَهْرِ ناجِرِ
كُلُّ كلام لا تفهَمُهُ العربُ: رَطَانَةٌ. القليل رقيقٍ مِن ماءٍ أو نَبْتٍ أو عِلْمٍ: رَكِيكٌ. ما لَهُ قَدْر وَخَطَ: نَفِيسٌ.
هفوة وتصويب
كثيراً ما نقرأ هذه العبارة «وقدْ شجَبَ المجتمعونَ أعمالَ الفَوْضى»، ويقصدون «استَنكروها أو ذمّوها»، وهي خطأ، والصواب «جَدَبَ المجتمعون...»، لأنَ شَجَبَ، يَشْجُبُ، شُجُوباً، وشَجِبَ، يَشْجَبُ شَجَباً، فهو شاجِبٌ وشَجِبٌ: حَزِنَ أَو هَلَكَ. وشَجَبَه اللّهُ، يَشْجُبُهُ شَجْباً أَي أَهْلَكَه، يَتَعَدَّى ولا يَتَعَدَّى، يقال: ما له شَجَبَه اللّهُ أَهْلَكَه، وشَجَبَه أَيضاً يَشْجُبُه شَجْباً: حَزَنَه. وشَجَبَه شَغَله. والشَّجَبُ العَنَتُ يُصِيبُ الإِنسانَ من مَرَضٍ، أَو قِتال.
أما جَدَبَ، فهي جَدَبَ الشَّيءَ يَجْدِبهُ جَدْباً: عابَه وذَمَّه. وكلُّ عائِبٍ، فهو جادِبٌ، قال ذو الرّمة:
فَيا لَكَ مِنْ خَدٍّ أَسِيلٍ، ومَنْطِقٍ
رَخِيمٍ ومِنْ خَلْقٍ تَعَلَّلَ جادِبُهْ
يقول: لا يجدُ فيه عَيْباً يعيبهُ بهِ، فيتعلَّلُ بالباطلِ. والجادِبُ: الكاذِبُ.
من حكم العرب
لا تُفْشِ سِرَّكَ إلّا عِنْدَ ذي ثِقَةٍ
أَوْ لا فَأَفْضَلُ ما اسْتَوْدَعْتَ أسْرارا
صَدْراً رَحِيباً وقَلْباً واسِعاً صَمِتاً
لَمْ تَخْشَ منه لِما اسْتَوْدَعْتَ إِظْهارا
البيتان لكعب بن زهير، يقول فيهما، إنّ البوح بمكنونات النفس، لا يفضّل إلّا عند من يكون موثوقاً مؤتمناً، لأنّ البوح ومحاولة مشاركة آخرين بالهموم، يجب أن تكون لدى المخلصين الأوفياء، الذين لا يشكّلون خطراً أو همّاً، إذا ما عرفوا الخفايا.
إعداد: فوّاز الشعّار
لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.
https://tinyurl.com/4xux6j9k