تتقدم إفريقيا بثبات نحو موقع جديد مؤثر لها في السياسات الدولية يعززه أمران مرتبطان ارتباطاً وثيقاً: وعي بُلدان القارة بضرورة وجود نهج مغاير عما مضى في علاقاتها بالمجتمع الدولي، خاصة قواه الكبرى، والثاني إدراك بعض هذه القوى أن الاستمرار في التعامل مع الكيان الإفريقي بحسبانه مجرد منجم للموارد التي لا تفيده في شيء، يعني خسارته.
ولا جديد في القول إن القارة السمراء عانت طويلاً الحرمان من عوائد ما تنعم به من خيرات واستمرار معظم شعوبها في دائرة المعاناة، وهي معاناة وقفت وراءها علاقات طويلة مع قوى كبرى كانت تصنع دوائر الحكم المسيطرة في بلدان إفريقية لضمان استمرار هيمنتها عليها في شكل رآه كثيرون نوعاً من الاستعمار الجديد المعزز في بعض جوانبه بوجود عسكري.
هذه الهيمنة واجهت في العامين الأخيرين مقاومة شديدة أثمرت، في ظل ظهور قيادات جديدة، تغيراً في شكل علاقات إفريقيا بالغرب، وتحديداً فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وملامح ندية في التعامل معهما، ورفض وجودهما بالصيغة القديمة التي كانت تصبّ في مصلحة طرف واحد، متجاهلة تطور شعوب القارة وإحساسها بالحاجة الملحة إلى التمتع بعوائد خيراتها.
ساعد على ذلك التطور تقديم قوى أخرى صيغاً للتعاون العادل مع إفريقيا يمكّن كل الأطراف من الاستفادة ويراعي أهم صورها، وهي مصلحة الشعوب التي تتحقق بدعم مشاريع التنمية التي تفضي إلى استقرار يجنّب بلدان القارة التبدلات السياسية الحادة التي تجعلها دائرة في فلك الفقر والمعاناة.
بهذا، نحن أمام رؤية جديدة يُنتظر بفضلها أن تكون إفريقيا محوراً مهماً للتعاون الدولي، سواء جرى على المستوى الثنائي بين الدول، أو الجماعي القائم على التعامل مع القارة ككيان غني بالخيرات.
في هذا الشأن، لا يمكن تجاوز الاهتمام الإماراتي بإفريقيا وأسبقيته في إرساء العدالة في التعاون مع دولها عبر مشاريع تنشد خير كل الأطراف وتنطلق، كالعادة، من مصلحة الشعوب عبر خلق فرص تنموية تلبي حاجتها إلى الاستقرار والعيش الكريم، وهما ضمانتان للاستقرار الاقتصادي والسياسي الذي ينعكس بالضرورة على أمن العالم.
عربياً أيضاً، هناك اهتمام بالتعاون مع إفريقيا، ومراجعات من بعض الدول لسياساتها التي غيّبتها عن القارة السمراء، بعد أن كانت ميداناً واسعاً للتعاون الساعي إلى تنمية شعوبها ومساعدتها على النهوض والتحرر من هيمنة بعض القوى.
ورأينا في الشهور الأخيرة اهتماماً روسياً بإفريقيا بموازاة التراجع الأمريكي فيها وتضاؤل الوجود الفرنسي، وهو اهتمام يتخذ أشكالاً عسكرية واقتصادية واستراتجية تؤكد موسكو دوماً أن غايتها منها تحقيق المصالح المشتركة مع الأقطار الإفريقية.
ولعل تجربة الصين في علاقاتها مع إفريقيا الأكثر حضوراً؛ فبكين، رغم وجودها الاقتصادي القديم في القارة السمراء عبر مشاريع اقتصادية، مهتمة الآن أكثر بربط تعاونها معها بغايات التنمية ومساعدة شعوبها على الاستقلال، وتمثل قمة التعاون الصيني الإفريقي التي اختتمت منتداها التاسع الخميس الفائت، نموذجاً لافتاً ضمن المكانة التي تقترب منها إفريقيا في التعاون الدولي.
[email protected]
https://tinyurl.com/2xdnys24