قد تكون البنوك المركزية أسهمت من دون قصد، في «الانهيار المصغّر» الذي حدث في الأسواق العالمية في الخامس من أغسطس/ آب، عبر سحب 200 مليار دولار من السيولة النقدية من النظام المالي العالمي خلال الأيام السابقة للحدث. وبينما كانت هناك أسباب مبررة لهذه الخطوة، فإن الخطر يكمن في أن نقص السيولة قد يؤدي إلى أزمات متكررة في الأسواق. وجاءت البيانات الاقتصادية السيئة من الولايات المتحدة، ونداءات الهامش الناتجة عن الرهانات الممولة بالديون ضد الين الياباني، كعوامل رئيسية في هذا الانهيار الصيفي السريع في أسواق الأسهم العالمية، ولكن هناك ما هو أعمق مما يبدو في الخلفية.
واستخدم رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، ونظراؤه، ضخ أو سحب «الاحتياطيات»، أو الأموال التي يقومون بإنشائها، كأداة للتحكم في أسعار الفائدة، وتلبية احتياجات البنوك من السيولة، وتسهيل حركة الأسواق المالية العالمية. ومن أمثلة هذه العمليات برامج التيسير الكمي التي تتضمن إنشاء احتياطيات وزيادة حجم الأموال في النظام المالي. والعكس من ذلك هو التقييد الكمي، الذي يتضمن تقليل السيولة المتاحة في الأسواق. وفي اليوم الذي سبق «انهيار» الخامس من أغسطس/ آب، قامت البنوك المركزية في الولايات المتحدة، وأوروبا، وسويسرا، واليابان، والصين، بسحب أكثر من 200 مليار دولار من النظام المالي مقارنة بالأسبوع السابق، وفقاً لتحليل مات كينغ، من شركة «ساتوري أنسايت».
- أهداف خاصة
وعلى الرغم من أن كل بنك مركزي كانت لديه أهدافه الخاصة، إلا أن هذه الخطوة قد تكون حدثت بشكل غير منسق. لكن النقص في السيولة ربما أدى إلى تفاقم وضع المستثمرين الذين كانوا بحاجة إلى جمع السيولة لتلبية طلبات المكالمات الهامشية. وعلى أقل تقدير، هذا الحدث يؤكد هشاشة أسواق الأسهم تجاه القرارات المتعلقة بإدارة الميزانيات العمومية للبنوك المركزية. وعلى الرغم من أنه لا توجد علاقة مثالية بين هذه السياسات وحركة الأسواق، فإن الأسواق لم تنهر في المرة الأخيرة التي قامت فيها البنوك المركزية بسحب كمية كبيرة من السيولة في إبريل/ نيسان الماضي. وبالمثل، لم تظهر مقاييس السيولة الأوسع التي تشمل أسواق السندات والائتمان في القطاع الخاص أي إشارات تحذيرية في أوائل أغسطس/ آب.
ومع ذلك، تشير عوامل كثيرة إلى أن هشاشة الأسواق قد تتكرر، أولها: زيادة حجم ميزانيات البنوك المركزية بشكل كبير منذ الأزمة المالية في عام 2008، عندما أنقذت البنوك المركزية النظام المالي. وكان لدى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أصول بقيمة 870 مليار دولار في ذلك الوقت، بينما يمتلك الآن أصولاً بقيمة 7.1 تريليون دولار. ثانياً، هناك ميل بين المستثمرين لمتابعة اتجاهات السوق القائمة.
- استثمار الزخم
وعلى مدى العقد الماضي، أصبح «الاستثمار القائم على الزخم» ثاني أفضل استراتيجية استثمارية في العالم، وفقاً ل«إم إس سي آي»، ما أدى إلى تركيز كبير في قطاعات وأسهم معينة. وعندما تتغير هذه الاتجاهات، يمكن أن تتفاقم الخسائر بشكل كبير.
ومنذ أزمة 2008، تدخلت البنوك المركزية مراراً لإنقاذ الأسواق المالية عند حدوث الذعر، ولكن الأدلة الأخيرة تشير إلى أنها قد تكون السبب وراء هذه الأزمات. (رويترز)