عادي

«ترامب القوي» و«القاضية هاريس».. القتال بخناجر في كشك صغير

16:54 مساء
قراءة 6 دقائق

إعداد ـ محمد كمال
يدخل المرشحان للانتخابات الرئاسية الأمريكية المناظرة الأولى وربما الوحيدة «رأساً برأس»، وهو ما أظهرته استطلاعات الرأي التي كشفت مدى التقارب فيما بينهما، لكن عندما تنتهي الدقائق الـ90 للمناظرة بين كامالا هاريس ودونالد ترامب الثلاثاء المقبل، بالتأكيد لن يكون الوضع كذلك، إذ ينظر إلى هذه المناظرة باعتبارها حاسمة في سباق الوصول إلى البيت الأبيض، فكيف استعد الطرفان وما هي نقاط القوة والضعف لديهما؟
العديد من العوامل تجعل من هذه المناظرة استثنائية، إذ تأتي بعد أن تمكن دونالد ترامب من الإطاحة بمنافسه السابق جو بايدن من سباق الانتخابات بعد المناظرة الأخيرة بينهما، لتحل محله نائبته كامالا هاريس حاملة لواء الحزب الديمقراطي، وقد تؤدي خسارتها للمناظرة إلى نتائج كارثية في صفوف الحزب، كما أنها تدخلها في ظل زخم حجم التبرعات التاريخية والتفاف العديد من حولها، بينما خصمها يعاني المحاكمات والضغوط، ورغم ذلك فإن البعض يشبه المناظرة بأنها ستكون مثل قتال بخناجر بين شخصين في كشك صغير، بالنظر إلى تقارب وحدة المنافسة.
ـ هاريس وفريقها ـ

وتتحصّن هاريس في أحد فنادق بيتسبرغ، حيث تقوم بجلسات تدريب على محاكاة للمناظرة مصممة بشكل جيد قبل مواجهة ليلة الثلاثاء. لدرجة أنها أعدت مسرحاً وإضاءة تلفزيونية طبق الأصل ومستشاراً في وضع التمثيل الكامل لدونالد ترامب، لا يلعب دوره فحسب بل يسكن شخصيته تماماً وبنفس هيئته، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز.
ويرى فريقا هاريس وترامب أن هذه لحظة حاسمة لتحديد هوية هاريس بالنسبة لملايين الناخبين المتأرجحين الذين يعرفون ما يفكرون فيه بشأن ترامب ولكنهم ما زالوا مهتمين بها. وتسعى المرشحة الديمقراطية إلى «إبراز صفات ترامب الأكثر تدميراً للذات»، كما ستحرص على أن تبدو هادئة وتعطي هيئة رئاسية. وقدمت لها هيلاري كلينتون نصيحة باعتبارها آخر امرأة شاركت في مناظرة ترامب، إذ قالت: «لا ينبغي أن يخدعها بل يجب أن تخدعه».

ويأمل حلفاء هاريس أن المهارات التي صقلتها خلال السنوات التي قضتها كمدعية عامة ستشكل النتيجة كما فعلوا في سباقاتها الفائزة لمنصب المدعي العام للولاية ومجلس الشيوخ الأمريكي.
وعلى عكس بايدن، فإن هاريس لن تركز بشكل مباشر على تصوير الرئيس السابق باعتباره تهديداً أساسياً للديمقراطية الأمريكية. إذ ستحاول التقليل من شأنه باعتباره «مشروعاً قديماً لا معنى له ويكرر نفس قواعد اللعب المتعبة. وكذلك كرجل ثريّ لا يهتم إلا بمساعدة الأثرياء الآخرين، وهو خط هجوم شعبوي يتردد صداه بين الناخبين».
كما تخلّت هاريس أيضاً عن استراتيجية هيلاري كلينتون الفاشلة المتمثلة في إدانة ترامب باعتباره عنصرياً ومعادياً للنساء. وبدلاً من ذلك، تحاول هاريس التواصل مع شريحة رقيقة من الناخبين المترددين الذين يشعرون بالاستياء بشأن الاقتصاد والقلق بشأن المستقبل، والذين يريدون سماع ما سيفعله كل مرشح لتحسين حياتهم. وتدرك هاريس ومن ينصحونها أن المناظرة ستكون بمثابة سباق لتعريف نفسها وعلامتها السياسية قبل أن يتمكن ترامب من ذلك.
وعلى الرغم من كل الضجيج في الأوساط الليبرالية بأن ترامب ينسف حملته بسلوكه غير المنضبط، فإن هاريس والأشخاص المختبئين معها في الفندق لا يقللون من شأنه.
وأحد التحديات التي تواجه هاريس هو أن ترامب، الذي اشتبك على خشبة المسرح مع بايدن في يونيو/حزيران، يتمتع بخبرة مناظرة أحدث من تلك التي يتمتع بها نائب الرئيس. إذ يجب عليها أن تحاول التخلص من مردود المناظرة السابقة، بينما تتوقع ما سيكون عليه الحال عندما تقف على بعد قدمين من شخص لم تقابله من قبل ولكنه هاجم سياساتها وماضيها السياسي وحتى هويتها العرقية.
وترأس جلسات هاريس، في فندق أومني ويليام بن في بيتسبرغ، كارين دان، المحامية الديمقراطية التي ساعدت هيلاري كلينتون أيضًا في الاستعداد للمناظرات. وكذلك دان هو روهيني كوس أوغلو، مستشار السياسة الداخلية السابق لهاريس ورئيس موظفي مجلس الشيوخ. وقال أشخاص مطّلعون إن عدداً قليلاً من الأشخاص الآخرين الذين تشعر هاريس بالراحة معهم، والذين يمكن الوثوق بهم لتقديم تعليقات قاسية، انضموا إلى الجلسات.
ومن بينهم شون كليج، المستشار السياسي الذي كان استراتيجياً رئيسياً في حملة هاريس لعام 2020. ويقول الأشخاص الذين يعملون معه إن موهبة كليج هي أنه يعرف هاريس جيداً بما يكفي ليشجعها على التحدث بطريقة يسهل الوصول إليها؛ كما يعود فيليب رينز، المساعد السابق لكلينتون إلى دوره الذي لعبه في عام 2016 بصفته ترامب.
ـ ترامب السعيد ـ
أما دونالد ترامب، فقد استبعد مصطلح «الإعداد للمناقشة» واستبدله بتعبير «وقت السياسة»، والمقصود منه تحديث سجله وأولوياته، ولا أحد يلعب دور هاريس، وإن كان في بعض الأحيان يجلس مساعدوه على طاولة طويلة مقابله ويطرحون الأسئلة ذهاباً وإياباً، أو في أحيان أخرى يقوم بسحب كرسي بالقرب منهم. ولم يعقد ترامب سوى عدد قليل من الجلسات حتى الآن، وقاطع إحدى الجلسات في فندقه في لاس فيجاس حتى يتمكن هو ومستشاروه من الصعود إلى جناحه لمشاهدة خطاب هاريس في المؤتمر.
وفي الجلسات التحضيرية للمناظرة التي عقدها ترامب، تبنّى النائب مات جايتز من فلوريدا دور طرح أسئلة صعبة على ترامب، بما في ذلك مواضيع غير مريحة مثل قناعاته الجنائية، وفقاً لشخص مطّلع على التجمعات.
كما ظهرت تولسي جابارد، عضوة الكونجرس الديمقراطية السابقة التي هاجمت هاريس بشكل لا يُنسى في المناظرة التمهيدية الرئاسية لعام 2019، إذ عملت على مساعدة ترامب خلال استعداداته.
ويدرك مستشارو ترامب الخطر المتمثل في أنه قد يبدو عدوانياً بشكل مفرط، كما فعل في مناظرته الكارثية الأولى مع جوزيف بايدن في عام 2020، عندما كان ترامب المصاب بفيروس كوفيد يتعرق بغزارة ويقاطع مداخلته بشكل متواصل. ويشعر مستشارو ترامب بالقلق من أنه لن يتمكن من منع نفسه من إظهار ازدرائه العميق لهاريس أو من الظهور وكأنه يلقي محاضرة على منافسة.
وبينما كان يحترم كلينتون باعتبارها «ذكية» ومجتهدة، يعتقد ترامب بوضوح أن هاريس غير ذكية، كما يقول المستشارون والحلفاء. إذ أظهر مقربون منه أنه يستخدم لغة كارهة للنساء لوصفها، فضلاً عن تناول الشائعات حول علاقاتها السابقة، بما في ذلك مع ويلي براون، عمدة سان فرانسيسكو السابق. وقد حثه مقربون على أن يظهر في صورة «ترامب السعيد»، في المناظرة بدلاً من «ترامب المتنمّر»، كما قال أحد الحلفاء.

ـ هدف مباشر ـ
ولدى معسكر ترامب هدف مباشر للمناظرة أيضاً وهو إجبار هاريس على الاعتراف بشراكتها مع بايدن الذي لا يحظى بشعبية، وتحمل المسؤولية عن أجزاء من رئاسته التي تعرضت لانتقادات. وقد يركز ترامب بشكل خاص على ارتفاع تكاليف المعيشة؛ والفوضى في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أوكرانيا والشرق الأوسط؛ والسلامة العامة؛ والهجرة.
وقال جيسون ميلر، أحد كبار مستشاري ترامب، عندما سُئل عن استراتيجية المناظرة في الحملة: «لا يمكنك طيّ الصفحة عندما تكون مسؤولاً بشكل فردي عن الكابوس الاقتصادي والحدودي الحالي الذي تعيشه بلادنا».
ويأمل مساعدو ترامب أن يتمكن من خلق نسخته الخاصة من لحظة رونالد ريجان الشهيرة في مناظرته عام 1980 ضد الرئيس جيمي كارتر، عندما سأل ريجان مشاهدي التلفزيون عما إذا كانوا يشعرون بتحسن حالهم الآن عما كانوا عليه قبل تولي كارتر منصبه.

وعقد فريق ترامب جلسة تحضيرية للمناظرة مدتها ثلاث ساعات الثلاثاء الماضي في ناديه الخاص في بيدمينستر بولاية نيوجيرسي، ومن المقرر عقد جلسات إضافية الأحد والاثنين. وفي الواقع، قام ترامب بالتحضير لمناظرات عام 2024 أكثر مما قام به في عامي 2016 و2020. وقد تم إطلاعه على عروض المناظرة السابقة لهاريس وحركاتها اللفظية. إذ يتذكر جيداً لحظتها الفيروسية عام 2020 عندما ناظرت نائب الرئيس مايك بنس وقطعت محاولته لمقاطعتها بقولها: «أنا أتكلم».
وقال ترامب لزملائه بشكل خاص: «لن أسمح لها أن تفعل بي ما فعلته بمايك». وكان سعيداً بالسماح لمستشاريه بالتفاوض بشأن كتم صوت الميكروفونات عندما لا يتحدث المرشحون. (كان فريق هاريس يضغط من أجل إلغاء كتم صوت الميكروفونات، على أمل أن يتحدث ترامب عليها بشكل بغيض ويعطيها فرصة للرد السريع). وسيتناظر المرشحان بدون جمهور مباشر، من خلف المنابر.
وفي السر، كان ترامب يتلاعب مراراً وتكراراً بالانسحاب من المناظرة، التي تستضيفها شبكة ABC News، وهي واحدة من أقل الشبكات المفضلة لديه. وقد تحدث بصخب حول ما يدّعي أنه ظلم تجاهه واقترح إجراء مناقشات على شبكات أخرى. وفي نهاية المطاف، خلص ترامب إلى أن سلبيات تخطي المناظرة تفوق مخاوفه بشأن الحضور.

ـ الإجهاض ـ

ومن المؤكد أن أكثر الملفات حسماً في هذه المناظرة سيكون ملف الإجهاض، إذ سيشهد تصادماً بينهما، في الوقت الذي تعتبره كامالا هاريس نقطة قوة رئيسية. بينما يحاول دونالد ترامب تجنب ردود الفعل السياسية السلبية على نهجه.
وتقول نسبة متزايدة من الناخبين في الولايات الحاسمة، وخاصة النساء، إن الإجهاض سيكون أهم عنصر في قرارهم في انتخابات نوفمبر، وفقاً لاستطلاعات الرأي. ويصنف عدد كبير من الناخبين الإجهاض باعتباره قضيتهم الأولى مثل أولئك الذين اختاروا الهجرة، على الرغم من أن الاقتصاد يظل الأولوية الرئيسية بالنسبة للأمريكيين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc4au5y8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"