ألسنا في مطلع العام الدراسي؟ هل من إطلالة على الشعر، حبيب القلوب؟ حذار استعادة المثل الشعبي: «الميّة تكذّب الغطاس». وسائط التواصل تعطينا صورةً سيّئة عن علاقة العرب اليوم بالشعر، فأكثرية المعروض غير سليمة لغةً، ومكسورةٌ وزناً. المشكلة هي أن التربية التقليدية ضعيفة الأواصر بالأجواء الاستطلاعية الاستفتائية. ما العيب مثلاً في إجراء المؤسسات التعليمية اختباراً لطلبة الفرع الأدبي، لامتحان قدرتهم على قراءة الميراث الشعري وفهمه، ومدى معرفتهم بالبحور والأوزان؟
لكن هذه الطريقة المتقنّعة بالطابع الاستقصائي، عديمة الجدوى، إذا كانت المناهج بلا دفاع عند مساءلتها عن تدريس العروض والقوافي، هل هو مواكب للعصر؟ هل تهضمه أدمغة بناتنا وأبنائنا اليوم أم هو اجترار لمعلومات تحتاج إلى فحص صحتها علميّاً؟ إذا أرادت أنظمة التعليم العربية التطوير والتجديد، فهذه المادّة في الصميم.
أساساً، «ما بني على باطل فهو باطل»، فإذا كان تعليم العروض، لم يختلف عمّا كان عليه قبل ألف عام، وكان قائماً على تراكم عدم فهم قديم، فمعنى ذلك أن المناهج ظلت تلقّن الأجيال ما لا يجيزه منهج علمي. نحن أمام أمرين مختلفين. الأوّل: أن الخليل بن أحمد، مشكوراً، صنّف الشعر العربي إلى بحور متشكلة من تفعيلات، موحّدة أو مركّبة، فالشعر عندنا قائم على التفعيلة، لا على المقطع الصوتي.
الإحساس بإيقاعات التفعيلات لدى امرئ القيس، ابن زيدون، الجواهري، يختلف عنه عند دانتي، شكسبير، فيكتور هوغو، الذين يَعُدّون المقاطع الصوتية بالثمانية، العشرة أو الاثني عشر. الأمر الآخر، أن الخليل الفراهيدي، مزح مزحةً ثقيلةً على عقولنا، قال: «إنه رأى في المنام من ألهمه طريقة تقطيع الشعر». أبوالريحان البيروني شرح طريقة الهنود في تقطيع الشعر وصفاً ورسماً، في كتابه: «تحقيق ما للهند من مقولة، مقبولة في العقل أو مرذولة». مقولة الخليل في العقل غير مقبولة.
أوزان شعرنا في آذاننا صادرة عن إحساس موسيقي بالإيقاع، لا عن عدّاد للمقاطع الصوتية. تصفية الحساب هذه توجب التخلص من التقطيع الذي لا تربطه بالشعر العربي صلة. يسألون: ما البديل؟ في مصر وفي تونس جرّبوا تدريس العروض بالبيانو. تجربة رائدة رائعة، وإن لم تنتشر.
ثم، كيف يستطيع مراهق الإعدادية أو الثانوية، التعايش مع المصطلحات المستعملة في الزحافات والعلل؟ الخَبْن: من تقليص الثوب بالخياطة. الوَقْص: من قصر الرقبة، كأنها داخلة في الصدر. الحَذَذ: من القطع في استئصال. البتر. الصَّلْم: من قطع الأذن. الخَبْل: من قطع اليد.
لزوم ما يلزم: النتيجة الجمالية: إذا كانت المناهج حريصةً على زرع الإحساس بالجمال، فقد اختارت النهج المحال.
[email protected]
https://tinyurl.com/37ajvs2e