د. باسمة يونس
بعد أن أصبحت صناعة المحتوى إحدى الركائز الأساسية للتواصل والمعلومات اليوم، ومع تنوع أشكال المحتوى من المقالات الأكاديمية والأبحاث العلمية إلى الفيديوهات الترفيهية وغيرها، وفي ظل الرداءة المنتشرة في كثير من وسائل التواصل، يبرز سؤال مهم عما إذا كانت المسؤولية في إنتاج محتوى جيد أو رديء تقع على عاتق الصانع وحده أم تمتد إلى متابعيه؟
صانع المحتوى هو الركيزة الأولى في هذه المعادلة، وهو مبدع ومصمم وناشر المحتوى ما قد يعني مسؤوايته المباشرة عن محتواه، وهذه المسؤولية تتضمن الدقة في المعلومات، واحترام القيم، والحرص على تقديم محتوى مفيد وغير مضلل في آن واحد.
تشكل البيئة الرقمية الحالية عاملاً مهماً في هذه المعادلة، فمنصات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث تعتمد على الخوارزميات التي تروج للمحتوى الذي يحقق تفاعلاً أكبر بغض النظر عن جودته، ما يعزز انتشار المحتوى الرديء، الذي يعني تحميل جزء من هذه المسؤولية على المتابع الذي يستطيع تعديل سلوكه الرقمي ليتوافق مع معايير الجودة. ويسعى بعض صانعي المحتوى وراء الشهرة السريعة أو الربح المادي ما يدفعهم إلى تقديم محتوى رديء أو مضلل، بهدف جذب الجمهور بسرعة، وزيادة عدد المتابعين إلى أرقام منافسة، رغم افتقار المحتوى إلى العمق والجودة.
في هذه الحالة، يتحمل صانع المحتوى جزءاً كبيراً من المسؤولية في تقديم منتج غير ذي قيمة، لكنه ليس وحده في هذا الأمر، فلا يمكن إغفال دور المتابع في هذه المعادلة، فهو من يقرر ما إذا كان سيستهلك المحتوى أو يتجاهله، علما بأنه وبفضل وفرة المعلومات والخيارات المتاحة اليوم، أصبحت للمتابعين قوة غير مسبوقة في تحديد نجاح أو فشل أي نوع من المحتوى. ولا شك بأن الجمهور الذي يميل إلى استهلاك المحتوى السطحي أو الترفيهي دون اهتمام بالجودة أو المضمون يشجع صانعي المحتوى على الاستمرار في إنتاج المزيد من هذا النوع، وهنا تبرز مسؤوليته الكبرى في اختيار المحتوى الجيد ودعم صانعيه ومتابعتهم، ما يشكل ضغطاً إيجابياً على المبدعين لتحسين جودة ما يقدمونه.
من هنا يجب التأكيد أن المسؤولية ليست حكراً على طرف واحد، فصانع المحتوى يجب أن يتحلى بالمسؤولية الأخلاقية والاحترافية في إنتاج محتواه، وفي المقابل، يتحمل المتابع أيضاً جزءاً من المسؤولية في تعزيز المحتوى الجيد عبر استهلاكه ودعمه، وكلاهما يحدد في النهاية شكل ونوعية المحتوى الذي يسود في المشهد الرقمي اليوم.
[email protected]