حاولت الوصول إلى إجابة عما إذا كان هناك متحف في بريطانيا يحمل اسم كاتبها الشهير جورج أورويل، فلم أوفق. لو وجد مثل هذا المتحف كنا سنعثر على معلومات أو بيانات عنه، أو انطباعات من زواره. عدم وجود مثل هذا المتحف يبدو منطقياً حين نقرأ الخبر المتداول مؤخراً حول موجة من الغضب الذي وصف ب«الوطني» في بريطانيا احتجاجاً على بيع أرشيف أورويل بالقطعة، حيث بوسع المشترين الحصول على رسائل ومخطوطات تاريخية بأسعار تتراوح بين 10 آلاف و100 ألف جنيه إسترليني. أما السبب المعلن للتخلص من أرشيف هذا الكاتب العالمي، لا البريطاني فحسب، فهو ضيق المكان.
أرشيف أورويل المراد التخلص منه كان في البداية ملكاً لشركة «فيكتور جولانكز» قبل أن يتحول، لاحقاً، إلى مجموعة «هاشيت» الفرنسية التي ارتأت، وللتغلب على صعوبات مالية تعانيها، بيع الأرشيف، مثيرة بذلك حالاً من الاحتجاج الثقافي.
ضاق المكان على أرشيف أورويل كاتب عدد من أهمّ الروايات التي حفظها التاريخ، فباتت عابرة للزمن، وبينها «1984» و«مزرعة الحيوانات» التي تناولت عسف الأنظمة الشمولية، فضلاً عن أن أورويل كان كاتباً متميزاً للمقالة الصحفية. وعلى الرغم من نشر الكثير من مراسلاته، لا يزال هناك الكثير من الوثائق القيمة التي تقدم رؤى مهمة عن حياته وأعماله، تتضمنها الوثائق المعروضة للبيع، ضمن الأرشيف الذي يتضمن عقوداً ومراسلات تتعلق بكتبه.
كيف لأمة متحضرة أن تشعر بأن المكان قد ضاق على تراثها، فما من سبيل سوى التخلص منه، خاصة إذا كان هذا التخلص جالباً للمال الوفير؟ فبدلاً من أن يكون الشعار: المجد للثقافة، أصبح: المجد للمال. وليس أدلّ على ذلك من أن الباحثين يرون أن الأرشيف الرسمي في كليّة لندن الجامعية هو المكان الأمثل للحفاظ على هذا التراث، إلا أن محدودية التمويل تعيق الحصول على هذه المستندات التاريخية، ويصف عقلاء القوم ما جرى بأنه بمثابة «كارثة ثقافية» تسلط الضوء على عدم قدرة المؤسسات الثقافية على الحفاظ على التراث الأدبي في ظل التحديات المالية.
باعث موجة الغضب الوطني في بريطانيا على هذه الخطوة من قبل الشركة المعنية، هي المخاوف من أن تنتهي هذه الوثائق الثرية في مجموعات خاصة وتضيع إلى الأبد، فمن بوسعه، في المستقبل، المطالبة باستعادة وثائق دفع من أصبحوا مالكيها في سبيل اقتنائها أموالاً باهظة. ليس من حق أحد، حتى لو كانت الدولة نفسها استعادتها، وحتى لو كانت عائدة لقامة بحجم جورج أورويل، ويقال إن بين من أحزنهم خبر البيع ريتشارد بلير ابن جورج أوريل. اكتفى بالحزن فقط، لأنه لم يستطع أن يفعل شيئاً أكثر أو أكبر.
[email protected]
https://tinyurl.com/4j5kd35z