د. باسمة يونس
لا يتفق الجميع على أهمية رواية الجريمة والرعب، ولا على كونها أدباً راقياً يستحق القراءة، فبينما يراها بعضهم محرّضة لذوي النفوس الضعيفة، ودافعة للقيام بما ترفضه الأعراف والأديان؛ لشدة تأثيرها في النفس، وتسبُّبها للقراء في توتر أو قلق أو حتى كوابيس تضر بمن يعانون حساسية نفسية تجاه هذه المواضيع، يجدها كثيرون أداة مهمة لإثارة وتنمية الخيال ومهارات القارئ في استكشاف الجوانب المظلمة في الحياة وما خفي عليه منها.
وكما يعزز أدب الجريمة والرعب صوراً نمطية سلبية عن المجتمعات أو البشر، ما يؤدي إلى سوء فهم وتعميق الفجوات الاجتماعية، وقد يؤدي إلى إغفال الجوانب الإيجابية والملهمة، ما قد يعطي انطباعاً مشوهاً عن الحياة ككل، فهو يكشف النقاب عن السلبيات، مثل الفساد والجريمة المنظمة والظلم الاجتماعي، التي تسري في العمق وتصعب رؤيتها أحياناً؛ لتدفع بذلك المجتمع للتفكير في هذه القضايا والعمل على معالجتها.
وبينما يؤدي أدب الجريمة والرعب إلى إدمان بعض القراء الشعور بالتشويق والتوتر الذي تخلفه هذه الروايات، فيندفعون للبحث عن تجارب أكثر شدة في الرواية أو حتى في حياتهم الواقعية، يقدم للقارئ تجربة قراءة مشوقة ومثيرة تجذب اهتمامه وتحفزه على القراءة من خلال القصص المعقدة والغموض المحيط بالأحداث ويعالج القضايا النفسية والاجتماعية؛ مثل الخوف والذنب والعدالة والعنف واستكشاف عمق النفس البشرية وفهمها بشكل أفضل، ويوفر منصة للنقاش حول العدالة والأخلاق، ما يكون له تأثير إيجابي في فهم القارئ للآخرين ولنفسه، واستكشاف هذه القضايا من منظور جديد.
ورغم ما يعتقده بعضهم بأن التركيز على الجوانب المظلمة والعنيفة من الحياة قد يؤدي إلى تطبيع العنف أو جعله يبدو أمراً مألوفاً وهذا ما يجعله ضاراً، فهذا النوع من الرواية لا يشجّع على العنف، بل يحاول لمس المناطق المعتمة التي تعززه وتنميه خفية بعيداً عن أنظار العالم، إذا تمكن الكاتب من تقديم البدائل الأخلاقية بوضوح.
ورغم انتشار هذا النوع الأدبي الواسع ونجاحه الباهر في الأدب الغربي، فإنه لا يجد رواجاً في الأدب العربي حتى الآن، ولم يأخذ مكانه في الساحة الأدبية؛ لأن المجتمع العربي يضع حدوداً لما هو مقبول في الأدب، خصوصاً في ما يتعلق بمواضيع العنف المفرط أو السحر والشعوذة، كونها تصطدم مع التقاليد الثقافية أو الدينية، ما يقلل انتشارها والاهتمام بكتابتها.
ويركز الأدب العربي على القضايا الاجتماعية والسياسية التي تواجهها المجتمعات وتحديات الاستعمار والحروب التي كانت دائماً في صدارة اهتمام الأدباء العرب، ونتيجة لذلك حظيت الروايات التي تناقش هذه القضايا بالاهتمام الأكبر، وتم تهميش تلك التي تتناول الجرائم والرعب، ويراها أقل قيمة من الأعمال التي تتناول قضايا أكثر جدية في مجتمعه وحياته، وينظر إلى هذا الأدب على أنه أدب يفتقر إلى العمق الأدبي أو الفلسفي، ويعتمد على تأثير الأحداث العنيفة أكثر من اعتماده على البلاغة في التعبير، ما يجعله مهمشاً وغير مرغوب فيه.
وقد ينجح هذا النوع في الانتشار من خلال تبني استراتيجيات تدعم هذا النوع من الأدب، مثل المسابقات، على غرار تجربة شرطة دبي التي أطلقت مسابقة هي الأولى من نوعها عربياً في مجال كتابة القصة البوليسية بالتعاون مع وزارة الثقافة، ونجحت في إنتاج عدد جيد من القصص، وتحفيز كتابتها بطريقة تلائم الثقافة العربية وبتوازن؛ بحيث تصبح جزءاً مهماً من الأدب العربي الحديث لقدرتها على إثارة الفكر، وأداة فعالة لاستكشاف القضايا المعقدة في المجتمع والإنسانية.