إعداد ـ محمد كمال
مع احتدام الجدل حول أراء كامالا هاريس، ومنافسها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب، وأيهما تمكن من هزيمة الآخر في المناظرة الأولى بينهما، فقد لجأ خبراء لغة الجسد لكشف تحليل أكثر تفصيلاً وعمقاً للغة التواصل غير اللفظي ذات الفروق الدقيقة والتي يعتبروها الكثيرون أكثر صدقاً من الكلمات التي يمكنها تطويع الحقائق، فيما تركزت التحليلات على تسع نقاط كاشفة عن لغة جسد كلا المتنافسين، ومن أبرزها نظرة تشبه «أشعة الليزر الموجهة».
وما يعطي أهمية كبيرة للغة الجسد، هو كتم صوت الميكروفون خلال تحدث الطرف الآخر، لكن الكاميرات كانت لا تزال مثبتة على كليهما، وقد تمكنت هاريس من استغلال وقتها الصامت في بث رسائل واضحة بلغة جسدها، في حين منحت القرعة ترامب الكلمة الأخيرة في المناظرة، فقد أعطت أفضلية لهاريس وتتمثل في وقوفها على الجانب الأيمن والذي يفضله المشاهدون غالباً.
ـ المصافحة ـ
وفي ظل عدم مصافحة ترامب مع جو بايدن في أي من مناظراتهما السابقة، فقد توقع بعض المراقبين أن يتراجع المرشحان الحاليان مرة أخرى عن المصافحة، لكن هاريس لم تسمح بذلك، وبدا ترامب متردداً، متخذاً موقفه خلف منصته. لكن هاريس سارت عبر المسرح ومدت يدها وقدمت نفسها. وتعد هذه المصافحة أكثر من مجرد تحية، وفق ما قال الخبير جو نافارو الوكيل السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي.
ويشير نافارو إلى أن المصافحة تنقل الأدب والكياسة ومستوى أساسي من الاحترام، وفي حالة المناظرة نقلت هاريس ذلك للشعب الأمريكي. وعندما بدأت هاريس المصافحة، جسدت رسالتها المتمثلة في الوحدة ضد الانقسام، وأظهرت أنها لم تكن خائفة من مواجهة ترامب. إذ أخذته على حين غرة. وعندما عادت إلى جانبها من المسرح، كانت لديها ابتسامة كبيرة على وجهها، تشير إلى أنها حصلت على ما أرادت، وكانت تعرف ذلك.
ـ هاريس تبتلع توترها ـ
تناولت هاريس السؤال الأول، ولاحظ المتابعون رؤية الكثير من التوتر في حلقها، تمثل في ابتلاع صعب، وتوتر في عضلات الرقبة، والكثير من الحركة في غضروف الغدة الدرقية الحنجري. ومن وجهة نظر غير لفظية، فإن هذا النوع من التوتر العصبي ينتقص من مظهر الثقة. إذ كان الأمر دقيقاً، ولكن لا يمكن إنكاره للعين المدربة، واستغرق الأمر وقتاً أطول مما يتوقعه المرء حتى يتبدد هذا التوتر. وبالمقارنة، بدا ترامب أكثر توازناً وأقل عصبية في البداية، على الرغم من تعافي هاريس مع استمرار المناظرة.
ـ ترامب لم ينظر في عينيها ـ
كان من الصعب العثور على وقت ينظر فيه ترامب إلى هاريس مباشرة. وعندما كانت تتحدث كان يحدق هو إلى الأمام مباشرة، ووفق الأعراف المتبعة، فإن القيادة الجيدة تتطلب مواجهة الخصوم وجهاً لوجه. ويمكن قراءة رفض ترامب أن يغمض عينيه لأكثر من 90 دقيقة بعدة طرق، ومن بينها أن ذلك شكل من أشكال اللامبالاة، أو عدم الاحترام، أو حتى الخوف من أن النظر إليها قد يجعله على نحو ما يتأثر بكلامها.
في المقابل، نظرت هاريس مباشرة إلى ترامب عندما تحدث. وعندما خاطبته أشارت إليه، حتى عندما لم يقابل نظرتها. إذ أظهرت أنها لا تخشى النظر إليه، أو التواصل معه، أو تحديه مباشرة.
ـ حركة اليد على الذقن ـ
عندما اتهم ترامب هاريس بأنها «ماركسية» بسبب مهنة والدها الأكاديمية (وُصِف بأنه «باحث ماركسي») نظرت إليه واضعة يدها على ذقنها، والتي تعتبر نظرة عدم تصديق مطلقة. وكانت طريقة لافتة للنظر بشكل متعمد للقول بصمت: «لا أستطيع حتى تصديق ما تقوله». وكان هذا هو سلوكها المفضل عدة مرات عندما قال ترامب شيئاً اعتبرته أمراً شائناً. وكانت هذه الحركة غير مسبوقة في المناظرات الرئاسية، فبينما ترامب يقول شيئاً عن هاريس كانت مستعدة لنقل مشاعرها بشكل مباشر وعلني، دون خوف، والنظر إلى ترامب بتركيز وكأنه أشعة الليزر.
ـ الشفاه المزمومة ـ
وكثيراً ما يُظهِر ترامب سلوكاً غريباً يجعل الأمر واضحاً للغاية عندما يسمع شيئاً لا يعجبه، فهو يزم شفتيه إلى الأمام، مثل التقبيل. ويرتبط هذا السلوك عادة بالكراهية أو الخلاف، وقد ظهر هذا التعبير كثيراً خلال المناظرة، وعلى سبيل المثال عندما واجه انتقادات عدد كبير من موظفيه السابقين بما في ذلك رئيس أركانه السابق، والذي لم يعودوا يدعمونه.
ـ ضحكة هاريس ـ
يقول خبير لغة الجسد جو نافارو إنه في بعض الأحيان يكون الأمر شنيعاً لدرجة أنه لا يستحق إجابة فورية سوى الضحك. وعندما ادعى ترامب، دون دليل، أن المهاجرين يأكلون الحيوانات الأليفة، ضحكت هاريس عليه علانية، وهو تناقض صارخ مع اللهجة الخطيرة التي اتخذها. وهذا الاستخدام للتناقض يقوض حجة ترامب، وكثيراً ما تظهر ردة الفعل هذه في قاعات المحاكم عندما يستخدم المحامون الفكاهة لتقليص ادعاء خطير للغاية وربما مضلل. ومن المحتمل أن هاريس استخدمت هذا التكنيك أثناء عملها كمدعية عامة.
ـ وجه الجوكر ـ
عندما سمع ترامب شيئاً أثر فيها، كما كان الحال عندما انتقده هاريس بسبب تصرفاته في 6 يناير، سحب شفتيه بابتسامة ضيقة ومفرطة في الدراما ورفع حاجبيه عالياً، مثل الجوكر قليلاً. وكان المقصود منها أن تكون لفتة رافضة، مملوءة بالسخرية أو الازدراء. بعكس الابتسامة الحقيقية، والتي تتجعد فيها العيون بشكل طبيعي، حيث تقوم العضلة الوجنية الرئيسية بسحب زوايا الفم إلى ابتسامة سهلة. لكن مع ترامب فإن صرامة شفتيه تفضح زيف التعبير. وهو سلوك أظهره في المناظرات السابقة أيضاً، وهو تصرف يميزه عن أي مرشح سياسي آخر.
ـ الرمشات المتكررة ـ
من الواضح أن هاريس وترامب لا يشتركان إلا في القليل جداً من القواسم المشتركة. ويبدو أن الشيء الوحيد المشترك بينهما والمثير للاهتمام، هو أنهما يرمشان كثيراً عندما يسمعان شيئاً يجدانه سخيفاً. وغالباً ما تستخدم الرمشات المتكررة لإظهار عدم الاتفاق أو الشك. وهو سلوك تواصلي فعال لأنه مرئي للغاية، إذ يلاحظه المراقبون على الفور، ولا يعطل تدفق الاتصال.
وأظهر كلا المرشحين هذا السلوك، وقد فعلت هاريس ذلك بشكل خاص عندما اتهمها ترامب بتقليد خطط سياسة جو بايدن، عندما قال: «إنها مثل أربع جمل، مثل:«اركض، بقعة، اهرب». وكانت هذه طريقة لرفض حجته بشكل غير لفظي باعتبارها غير جادة.
ـ لا مصافحة ثانية ـ
بينما أجبرت هاريس منافسها ترامب على المصافحة في بداية المناظرة، لكن من المؤكد أن الأمر لم ينته بهذه الطريقة. وبمجرد انتهاء المناظرة خرج ترامب على الفور من المسرح قبل أن تجمع هاريس ملاحظاتها. ولم تكن هناك أي محاولة للمصافحة أو التواصل الاجتماعي على الإطلاق. إذ أظهر ذلك أن ترامب لم يكن في مزاج جيد للتعامل مع نائبة الرئيس. ربما تكون قد صافحته في البداية، ولكن في النهاية، كان الخروج المفاجئ هو أفضل ما يمكنه فعله.
من انتصر؟
وربما يكون ترامب قد قضى أربع سنوات في البيت الأبيض و13 عاماً كنجم لتلفزيون الواقع، لكن منافسته هاريس هي التي بدت وكأنها الممثلة التلفزيونية الأكثر إنجازاً من خلال «محادثتها المباشرة والحميمة في كثير من الأحيان وعرضها للمشاهد، حتى وإن طالتهما انتقادات بالتصنع والزيف».
وبينما واجهت الكاميرا مباشرة أثناء حديثها وتقديم كلماتها بعبارات شخصية لافتة للانتباه مثل «دعونا نتحدث عن» و«فهم هذا...»، فقد كافح ترامب للتكيف مع بيئة الاستوديو الخالية من الجمهور بعد أسابيع من التحدث في التجمعات الانتخابية.
وفي الوقت الذي حافظت هاريس على لهجتها الحميمية، بدأ ترامب بالصراخ كما لو كان على المسرح، وربما ينجح هذا التكنيك مع جماهيره الحية الكبيرة، ولكن في الاستوديو الفارغ بدا الأمر خاطئاً وعفا عليه الزمن. وفي حين استخدم ترامب نفس العبارات المألوفة التي يستخدمها طوال مسيراته، فإن ذلك جعل هاريس تبدو وكأنها الرسالة الجديدة.
ويبدو أنه تم إخطار ترامب ألا يهاجم بشكل مباشر للغاية، لكن ابتسامته المتعجرفة وشفتيه المغلقتين وعيناه الضيقتين عملت بشكل أفضل مع بايدن مقارنة بما فعلته مع هاريس الأكثر حدة وحيوية، فيما بدا منافسها «منزعجاً» من خصمه الأصغر سناً، وفي وقت ما بدا «مجروحاً بشكل واضح» بسبب بعض تهكمات هاريس المتقنة الصنع، وخصوصاً عندما استخدمت كلمة «مطرود»، وهي عبارة تلفزيونية شهيرة، لتقول إن 81 مليون شخص طردوه خلال الانتخابات الأخيرة.
وفي ختام المناظرة، عندما قامت هاريس بتلخيص خطابها المنفرد، ألقت على ترامب نظرتين من الازدراء المطلق، واستدارت في اتجاهه مع ابتسامة «مرح» ثم اختفت من عينيها، ونظرت إليه لأعلى ولأسفل كما لو كانت تعتقد أنها قضت عليه.
ومن اللافت أن تدريب هاريس وتخطيطها أتى بثماره خلال المناظرة، حيث سجلت نقاط الفوز في كل جانب من جوانب أدائها تقريباً، فيما يحتمل جداً أن يسعى ترامب لمناظرة ثانية في شهر أكتوبر عله يعوض من خلالها خسائره.