د. عبدالعظيم حنفي
هناك مكان لافت في مهنة الاقتصاد للتحقق من الاضطراب، ولقياس مدى قوة ما حدث منذ ظهور ورقة «التغير التكنولوجي الداخلي» عام 1990 – لعالم الاقتصاد الأمريكي «بول رومر» رائد نظرية النمو الداخلي والحاصل على جائزة نوبل عام 2018 عن عمله الأكاديمي في نظرية التكنولوجيا والنمو الاقتصادي -، مع مسار آخر للرأي، معزول عن الملاحظة والانتباه اليومي، وعن نظام الحوافز في المهنة، ومنوطة به مسؤولية إدارة مخزون المعرفة الاقتصادية، والإضافة إليه.
ومن هنا قد يكون من الأهمية بمكان العودة إلى قاعة المعرض حيث كانت أمسية يوم الجمعة، 5 يناير/ كانون الثاني من عام 1996 في قاعة «أحد الفنادق الكبرى» بسان فرانسيسكو حيث كان رومر، ومارتي ويتزمان، وروبرت سولو، على المنصة. وكانت الصحافة من ضمن الحضور- وقد تأكد ما تعارف عليه طلبة التاريخ الاقتصادي من أن كل عهد له نصه الخاص.
فمنذ بداية مهنة الاقتصاد منذ قرنين، كان هناك خمسة كتب فقط مهيمنة على معايير المهنة. واستمرت فترة سيطرة كل منها أربعين عاماً، أو أكثر. وهي كتب آدم سميث، ودافيد ريكاردو، وجون ستيوارت ميل، والفريد مارشال، ومنذ 1984 بول صامويلسون. ومع ذلك فقد حدثت تغيرات كثيرة في الاقتصاد منذ 1948.
وأصبح واضحاً عند نقطة معينة أن الدورة التي استمرت لأكثر من خمسين عاماً على الكتاب العظيم لبول صامويلسون لابد أن تنتهي، وبسرعة.
وفي سان فرانسيسكو أصبح البحث على قدم وساق عن شخص يخلفه.
وتعد الكتب الدراسية جزءاً من الجهاز الاقتصادي مخبأ في المشهد المعتاد. فهذه الكتب، بطبيعة الحال، هي نقطة دخول الطلبة إلى المجال، وهناك نحو مليون طالب في الولايات المتحدة وحدها، يلتحقون كل عام بدورة الاقتصاد التمهيدي لأول مرة. ومعظم الطلبة لا ينجحون في تخطى دورات أكثر تقدماً من المستوى التمهيدي، ولكن هناك مستويات متوسطة ومتقدمة متاحة للطلبة الذين يرغبون في التقدم والاستمرار في المجال، ليس في المجالات الواسعة فقط، كالاقتصاد الجزئي والاقتصاد الكلى، ولكن في المجالات الأكثر تخصصاً مثل المالية العامة، والنقود، والاقتصاد القياسي، والتجارة، والنمو، واقتصادات البيئة.
وتعمل كل الكتب الدراسية بنفس الطريقة تقريباً، بغض النظر عما إذا كانت في مجال الاقتصاد، أو الكيمياء العضوية، أو التاريخ، أو حتى اللغة اللاتينية، فهي تدرس مادتها للطلبة على أنها لغات، لكل لغة كلماتها، وجملها الخاصة بها. وقد استعار توماس وهن كلمة «نموذج أولي Paradigm» من أدبيات وتعليمات اللغة، ليصف ما أطلق عليه «المجموعة الموحدة للأمثلة، والطرق، والمعتقدات والظواهر التي تكون اللب النظامي».
وكما يتعلم الطلبة قواعد وصياغة اللغة عن طريق مجموعة من الارتجاليات والتدريبات، فإن هناك مجموعة من المسائل والتدريبات في نهاية كل فصل من أي كتاب اقتصاد، وهو ما يعادل التدريبات اللغوية، التي تستهدف الوصول إلى إتقان اللغة وتصحيح القراءة.
وتتشارك جميع الكتب الدراسية في غرض واحد، هو أن يبدأ الطلبة الدراسة على منهج نمطي موحد من الرؤى المقبولة في الوقت الحاضر. بمعنى، أن الكتب الدراسية تعمل عمل أنظمة التشغيل بالنسبة للعقل البشرى في ما يتعلق بالمنطق الذي تنطوي عليه والمواد التي تدرسها.
وكان رومر يقول «تخبرنا النظرية أين يمكننا أن ننحت المفاصل». وحدثت بعض التطورات المهمة في ذلك اليوم أيضاً - في قاعة المعرض، عندما تم تقديم نص تمهيدي جديد من قبل جون تايلور الأستاذ في جامعة ستانفورد.
ولكن لم يؤد ظهور كتاب تايلور عام 1996 إلى إحداث ضجة كبيرة. ربما كانت هناك درجة أقل من الحماس مقارنة بحالة الحماس التي أثيرت في عام 1995 نتيجة لدخول «ستيجليتز Stiglitz» إلى السوق بإصدار بطعم الماء المالح. وكان هناك حماس أكثر عند ظهور نص «بيرنانكى» و«فرانك» عام 2001 وكان هذا النص متبلاً بطعم اقتصاد السلوكيات. وللتأكيد، قام تايلور ببناء عديد من ابتكارات فريق الماء العذب في نصه.
وترى عديد الدراسات الاقتصادية «إن كل نص جديد يحقق حصة عقلية من معركة الرأي المعقدة بين القادة في المجال. حيث يطالب كل منهم بجزء من الأرباح. ولكن لا يوجد نص لديه القدرة الكافية على أن يأخذ محل قادة السوق. حيث يظل السوق مقسماً بصورة جيدة. وليس هناك ما يستدعى كتابة قصة خبرية عنه، كما لا يوجد ما يعارض الحكم بأنه لا يمكن أن يوجد صامويلسون آخر، لأنه لا يوجد كينز آخر – لا يوجد انقطاع حاد بين الجيل الجديد والقديم».