إعداد ـ محمد كمال
تشير التصريحات القادمة من روسيا إلى أن حلف شمال الأطلسي، اتخذ منذ وقت طويل قرار رفع القيود عن استخدام أوكرانيا للأسلحة الغربية بعيدة المدى من أجل استهداف عمق الأراضي الروسية، دون الكشف عن ذلك رسمياً، وفق ما ورد على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف. في الوقت الذي تجري أمريكا مراجعة سريعة لإعطاء هذا الإذن، قبل ساعات من اجتماع الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في البيت الأبيض.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خرج بتصريح قوي قال فيه إنه في حال سمح الغربيون لأوكرانيا بضرب الأراضي الروسية بأسلحتهم، فيعني ذلك أن «دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) في حرب ضد روسيا، وهو ما يؤشر إلى تغيير طبيعة النزاع الحالي، لكن السؤال الذي يفرض نفسه، ما السيناريوهات المحتملة إذا سمح الغرب لأوكرانيا بأن تطلق أسلحته إلى عمق روسيا، وما هي تلك الأسلحة؟
يبدو أن بايدن يتجه إلى حسم تردده بشأن هذا الملف الشائك، بعد الارتفاع الكبير في عدد القنابل الانزلاقية الروسية الموجهة ضد أهداف أوكرانية، والتي يقدر عددها بحوالي 800 قنبلة في أسبوع واحد هذا الصيف، في الوقت الذي أرسلت أمريكا وبريطانيا كبار دبلوماسييهما إلى كييف للاستماع إلى أحدث المناشدات من أوكرانيا قبل لقائهما المقرر، الجمعة.
ـ ترحيب أمريكي في الكواليس
أوكرانيا طلبت منذ أشهر استخدام الأسلحة الغربية بعيدة المدى لمهاجمة المزيد من الأهداف في عمق روسيا، وغالباً ما يضغط الرئيس فولوديمير زيلينسكي، بشكل شبه يومي للحصول على الإذن، لكن في الربيع الماضي، وضع بايدن حدوداً محددة، وهي حوالي 60 ميلاً، للمدى الذي يمكن لأوكرانيا إطلاق أسلحة أمريكية الصنع على روسيا، خوفاً من إثارة انتقام قاسٍ من الرئيس فلاديمير بوتين، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن بريطانيا وفرنسا، التي منحت كل منها أوكرانيا «صواريخ خارقة للتحصينات» بعيدة المدى تُطلق من الجو في عام 2023، يبدو أنهما تنتظران موافقة بايدن قبل السماح لتلك الصواريخ الأوروبية بضرب أهداف بعيدة داخل الأراضي الروسية. في الوقت الذي أعلن الكرملين أن روسيا تعد «إجراءات مضادة مناسبة» إذا قام الغرب ببسط سلطة أوكرانيا.
لكن التحركات الأوكرانية السابقة بما في ذلك إرسال دبابات غربية وطائرات إف 16 إلى القتال، فضلاً عن التوغل الأوكراني في كورسك، وهي منطقة حدودية روسية، لم تدفع موسكو إلى الانتقام من حلف شمال الأطلسي.
ويواجه بايدن، أيضاً ضغوطاً في دوائر السياسة الخارجية الأمريكية لتخفيف القيود. ولم يعد كبار المخططين العسكريين الأمريكيين ينصحون بعدم القيام بذلك، وحثه دبلوماسيون وجنرالات أمريكيون سابقون رفيعو المستوى في رسالة، الثلاثاء، على «السماح لأوكرانيا بالدفاع عن نفسها».
وأشار رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بن كاردين، الديمقراطي عن ولاية ماريلاند، إلى أنه «حان الوقت لتخفيف القيود المفروضة على استخدام الأوكرانيين للأسلحة المقدمة من الولايات المتحدة». لكن مسؤولاً أمريكياً آخر لفت إلى أنه من غير المتوقع حدوث تغيير وشيك في القيود، وربما يلجأ بايدن إلى فرض شروط محددة على الإذن في حال منحه.
ـ ماذا في حال الموافقة؟
وفي الوقت الحالي، يبدو أن بايدن يدرس ما إذا كان سيسمح لأوكرانيا بإطلاق أنظمة الصواريخ التكتيكية أرض-أرض الأمريكية الصنع المعروفة باسم أتاكمز ATACMS على روسيا.
وكانت الولايات المتحدة، قد منحت كييف لأول مرة هذه الصواريخ التي يبلغ مداها حوالي 190 ميلاً، في العام الماضي. لكن حتى الآن، فهي ليست من بين الأسلحة المحدودة التي تسمح إدارة بايدن لأوكرانيا بإطلاقها على روسيا.
إجراء احترازي روسي
وفي مايو/أيار، وافق بايدن، على السماح لأوكرانيا بإطلاق بعض الأسلحة المقدمة من الولايات المتحدة، مثل المدفعية لاستهداف القواعد العسكرية في روسيا والتي استخدمت لشن هجمات على الحدود الأوكرانية، بما في ذلك ضد مدينة خاركيف. لكن المسؤولين العسكريين الأمريكيين والأوروبيين يقولون إن روسيا قامت منذ ذلك الحين بنقل 90% من القواعد الجوية التي تضم طائراتها القاذفة خارج النطاق الذي يمكن أن يصل إليه نظام أتاكمز، تحسباً لإطلاقها قريباً عبر الحدود.
وقال الكولونيل ماركوس ريزنر، الذي يشرف على تطوير القوة في أكاديمية التدريب العسكري الرئيسية في النمسا ويتابع عن كثب كيفية استخدام الأسلحة في الحرب في أوكرانيا: «لقد ضاعت فرصة لمهاجمتهم، عندما كانوا لا يزالون في النطاق».
استخدام إف - 16
ويقول الخبراء إن نظام ATACMS يمكن أن يستهدف أيضاً أنظمة الدفاع الجوي الأرضية الروسية التي تهدد الأسطول الأوكراني الناشئ من الطائرات المقاتلة من طراز إف - 16.
وقد وصلت الدفعة الأولى من هذه الطائرات أمريكية الصنع هذا الصيف، ولم تذكر أوكرانيا عددها، لكن يُعتقد أنها تصل إلى حوالي اثنتي عشرة طائرة. وبينما يقول المسؤولون الأوكرانيون إنها ستستخدم في البداية للدفاع الجوي، مثل إسقاط صواريخ كروز الروسية، فمن المتوقع أن تقوم أيضاً بمهام قتالية. وعند استخدامها في دور الهجوم الأرضي، تتمتع الطائرات المقاتلة بمدى حوالي 500 ميل، وفقاً للقوات الجوية الأمريكية.
ويمكن أن تلعب طائرات F-16 دوراً حاسماً ضد القنابل الانزلاقية الموجهة التي ضربت المواقع في شرق أوكرانيا. وقال الخبراء إن كييف تريد استخدام هذه الطائرات لاعتراض الطائرات الحربية الروسية لمنعها من إطلاق القنابل الانزلاقية.
فالقنابل الانزلاقية، والعديد منها عبارة عن رؤوس حربية قديمة تم تجديدها بأجنحة منبثقة وأنظمة ملاحة عبر الأقمار الصناعية، يتم إسقاطها على بعد عشرات الأميال من الحدود، بعيداً عن متناول صواريخ أرض جو قصيرة المدى الأوكرانية. ولكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت أوكرانيا ستطير بطائرات إف-16 إلى الأراضي الروسية، وتنقسم دول الناتو التي تبرعت بالطائرات حول ما إذا كان ينبغي لها ذلك.
ولكن إذا عبرت هذه الطائرات الحدود فيمكنها استهداف الطائرات الروسية بصواريخ متوسطة المدى تعرف باسم AMRAAMs والتي أرسلتها الولايات المتحدة بالفعل إلى أوكرانيا. واعتماداً على الطراز، يمكن إطلاق هذه الصواريخ من طائرة F-16 ومن نظام إطلاق للدفاع الجوي الأرضي. ووفقاً للقوات الجوية الأمريكية يمكن للصواريخ الوصول إلى أهداف على بعد أكثر من 30 ميلاً.
صواريخ كروز
وتستعد إدارة بايدن، أيضاً لمنح أوكرانيا صواريخ كروز تُطلق من الجو والتي يمكن استخدامها مع طائرات إف-16. وتعد هذه الصواريخ الجو أرضية من طراز JASSM قديمة الطراز، لكن مداها يصل إلى حوالي 230 ميلاً وتحمل رأساً حربياً يبلغ وزنه 1000 رطل. ويمكنه ضرب أهداف مثل القواعد الجوية ومستودعات الذخيرة في عمق الأراضي الروسية دون مغادرة المجال الجوي الأوكراني.
لكن مسؤولاً أمريكياً، قال إنه حتى لو قررت الولايات المتحدة إرسال هذه الصواريخ إلى أوكرانيا، فلن يتم تسليمها لعدة أشهر. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إدارة بايدن ستسمح بإطلاقها إلى عمق الأراضي الروسية، بدلاً من شبه جزيرة القرم وأجزاء أخرى من أوكرانيا التي تسيطر عليها روسيا.
وقد أرسلت بريطانيا وفرنسا بالفعل إلى أوكرانيا صواريخ كروز التي تطلق من الجو والتي ضربت حتى الآن أهدافاً روسية في شبه جزيرة القرم وفي البحر الأسود. ويصل مداها إلى حوالي 155 ميلاً، وقد تم إطلاقها من أسطول الطائرات المقاتلة الأوكرانية القديمة التي تعود إلى الحقبة السوفييتية والطائرات المقاتلة ذات التصميم الروسي. وهي تقريباً نفس طراز الصاروخ، وتُعرف باسم Storm Shadows في بريطانيا وSCALPs في فرنسا.
المسيّرات والإنتاج المحلي
وأوكرانيا قادرة بالفعل على ضرب عمق روسيا باستخدام طائرات بدون طيار منتجة محلياً، وتختبر صاروخاً جديداً طويل المدى أرض- أرض يمكن إطلاقه دون طلب إذن من الغرب. وكانت قدرة الإنتاج المحلي هذه أحد الأسباب التي جعلت إدارة بايدن، تقاوم السماح باستخدام الأسلحة الأمريكية في تلك الهجمات.
ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بمكافحة القنابل الانزلاقية على وجه الخصوص، قال المسؤولون والخبراء الأمريكيون إن أوكرانيا ستحتاج إلى ضرب عمق روسيا بمزيج من الطائرات المقاتلة والأنظمة الجوية الأرضية - وكلها تقريباً تتطلب موافقة غربية.
الرد النووي الروسي
وحتى لو سمح الغرب لأوكرانيا باستخدام أسلحته في ضرب العمق الروسي، فإنه من المرجح أن يكون تأثير ذلك غير حاسم في سير المعارك، نظراً للدفاعات الروسية القوية، لكن الولايات المتحدة لا يمكنها التنبؤ بمدى قوة الرد الروسي، خصوصاً أنها تتعامل مع دولة تمتلك أكبر ترسانة نووية.
وربما يكون أسوأ السيناريوهات هو ما أشار إليه خبير السياسة الخارجية الروسية سيرغي كاراجانوف حول أن روسيا قد تشن ضربة نووية محدودة على دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، حتى لو كان ذلك دون إشعال حرب نووية شاملة.
ويتابع خبراء الأمن في الغرب عن كثب تصريحات كاراجانوف كمؤشر على ما الذي تفكر فيه روسيا بشأن السياسة الخارجية والدفاعية والنووية.
عادي
إذن محتمل لضرب العمق الروسي بأسلحة غربية.. وسيناريوهات الرعب تلوح في الأفق
12 سبتمبر 2024
22:10 مساء
قراءة
6
دقائق
https://tinyurl.com/bp9b8k25