د. لويس حبيقة*
بعد 300 سنة على ولادة «أدام سميث»، مؤسس العلوم الاقتصادية الحديثة، لا بد من إلقاء الضوء على وضع الأسواق أي هل كانت بالمستوى المطلوب من قبل المؤسس؟ هل أعطت النتائج التي رغبت فيها المجتمعات من ناحيتي الإنتاجية والفعالية؟ الأوضاع الاقتصادية العالمية المتشنجة تفرض طرح هذه الأسئلة. هل تكمن المشكلة في النظريات أم في التطبيق؟
ما هي النتائج الاقتصادية المقلقة التي تفرض طرح مشكلة صحة النظريات الناشئة مع أدام سميث، والتي تعدلت مع الحفاظ على جوهرها، أي أسس النظام الاقتصادي الحر. ما هي النتائج السلبية التي تفرض اعادة النظر، أو تقييم ما جرى؟ فالتضخم القوي الذي نعيش معه، والذي يعتبر الأعلى منذ سبعينات القرن الماضي، سببه الأهم هو الحرب الأوكرانية التي أشعلت أسعار الغذاء والمحروقات ومعها كل مؤشرات الاستهلاك العالمية. كانت البذور التضخمية موجودة حتى قبل حربَي أوكرانيا وغزة، لكنها اشتعلت معهما. أسباب وجود البذور تعود إلى موجات من التقلبات المؤذية أحياناً، من ناحية العرض وأخرى من ناحية الطلب، أو سوية.
جوهر نظريات سميث التاريخية هو التأثير الايجابي للحريات الاقتصادية في اإنتاجية القطاعات. عرض سميث في نظرياته أهمية تخصص العمالة في الإنتاج أي تقسيم مهمات العمل بين الأفراد، ما يؤثر في الإنتاجية، ثم الإنتاج. تحركت الاكتشافات التكنولوجية كما لم يحدث سابقاً إلا أن الإنتاجية بقيت متعثرة، أو أقله متأرجحة.
وحصلت عوائق جدية منعت ترجمة التكنولوجيا في الإنتاجية لأسباب قانونية ومؤسساتية، كما بسبب صعوبة تطبيق بعض هذه التكنولوجيات بسرعة في العملية الإنتاجية، كما التربوية.
وتوقع سميث أن يؤدي الاقتصاد الحر إلى انتعاش اقتصادات الدول النامية، والناشئة بفضل التجارة الدولية والمنافسة. لكن هذا لم يحصل بل استدانت هذه الدول قسراً، إلى حدود مرتفعة نسبة لناتجها المحلي. وتوقع سميث أن تؤدي التجارة إلى انتعاش كل المشاركين، إلا أن هذا لم يحصل بل هنالك دول استفادت أكثر بكثير من غيرها، وأخرى تأخرت لأنها لم تستطع اللحاق بتقنيات الإنتاج والعلاقات الدولية.
وتوقع سميث أن يؤدي الاقتصاد الحر إلى أن يعطي الإنسان أفضل ما عنده للمجتمع. وتوقع أن تؤدي هذه التصرفات الى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لكل الدول، وهذا ما لم يحصل بسبب عوائق متنوعة.
سببت الكورونا، كما الحرب الأوكرانية، توتراً كبيرا في العلاقات التجارية الدولية انعكس سلباً على الجميع، بخاصة على الدول النامية والناشئة. ووضعت أمريكا مثلاً ضرائب جمركية على الواردات من الصين بالرغم من حاجتها للسلع المصنعة هنالك.
ودققت في صادراتها إلى الصين، وأوقفت بعضها، بخاصة تلك المرتبطة بالتكنولوجيا المتطورة التي تتفوق بها أمريكا. أما العقوبات الموضوعة على روسيا بسبب الحرب، فلم تؤذ روسيا فقط، بل العديد من الدول التي كانت لها علاقات مزدهرة معها في الغذاء، والنفط، والغاز. ما يجري اليوم دولياً في موضوع التجارة الدولية يأتي عكس ما أوصى به سميث، وبالتالي نحصد نتائج هذه الحواجز التجارية.
* كاتب لبناني