مفارقات وعي غير واعٍ

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

ما رأيك في دردشة في الوعي؟ من حقك الاعتراض: ما هذا الموضوع الذي لا طعم له، أسمعنا شيئاً يستطيع العقل العربي أن يوليه اهتماماً. لعلمك، بمجرد سماع كلمة وعي تنسدّ أذناه تلقائياً، بمثل تلك السدّادات التي يستخدمونها في التصوير بالرنين المغناطيسي (إم. آر. آي) أنت تدري أن العقل العربي رضع في الحليب المجفف البلاغة من بديع ومعانٍ وبيان، وجناس مقلوب غير كامل، فعندما يطرق طبلة سمعه فعل وعى، يصير بقفزة صرفية: عوى.. فينطلق نفير العواء بالبيت: «عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى.. وصوّت إنسانٌ فكدت أطيرُ».
بالمناسبة: العقل العربي، منذ كثُر طرح موضوع الوعي، صار يخاف الدروب المؤدية إلى أشعار أبي الطيب، فهي ملغّمة بالكثير من الأبيات التي تجلب الصداع. تخيّل رجلاً ظل طوال ألف سنة يستفز العقل العربي ببيته الذي يشبه غيمة سرب دبابير: «وتركُك في الدنيا دويّاً كأنما.. تَداولُ سمعَ المرء أنملُهُ العشرُ». أي خمسة أضعاف سدّادي الأذن في الرنين المغناطيسي. ولو سألتَ الشاعر: كيف يتسنى ذلك في وعي غير واعٍ، ولا إلى إيقاظه من داعٍ؟ فالمتنبي حاضر الجواب: «أعلى الممالك ما يُبنى على الأسلِ». قال العقل العربي مهمهماً: بارك الله فيك يا أحمد بن الحسين، لقد وضعت عنّا الوزر، الذي أنقض الظهر، فجمع كم من حزمة من الأسل، الرماح العوالي، أهون من بناء حاملات الطائرات القاذفات القاصفات، في الحروب الساحقات الماحقات.
بمناسبة أخرى، قال العقل العربي: حذار أن يتوهم العرب أن تنغيصات الوعي تتوقف عند حدود الجيوسياسي والجيوستراتيجي، وغيرهما من القضايا الوجودية المصيرية. هنا طفح الكيل، بالرغم من أن الوعي العربي لم يطفح غضبه إزاء الكيل بمكيالين من قبل الجبابرة، فتظاهرتُ بالصياح شجباً واستنكاراً وتنديداً: ماذا تركت للعقل العربي من موجبات مديح الحكمة والرشاد؟ قال: الوعي في العالم المتقدم علميّاً، رحّالة في فضاءات العلوم.
هل نسيتَ كتاب عالم البيولوجيا الأمريكي جيرالد إيدلمان: «كيف تصير المادّة وعياً؟» هذه الفوارق العلميّة أوجدت طبقيّةً علميةً في سلّم مراتب التنمية. على قومنا أن يربطوا «كيف تصير المادّة وعياً» وخيالاً، بمراحل النمو المتسارعة في الذكاء الاصطناعي. إذا لم يلتحق العرب بالخطوط الأمامية في التقدم العلمي، في الوعي بالذات واستحقاقات خصوصيات الهوية، فسوف يواجهون أشرس الصعاب وأعسر الحساب.
لزوم ما يلزم: النتيجة الانسحابية: ما الذي يتبقى من الوعي حين يغدو العقل غير قادر على الإحساس بالزلزال؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/385mfr2t

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"