رائد برقاوي
تنهض الأمم برجالاتها، بقادة يمتلكون الرؤية ويستطيعون رسم معالم الطريق للحاضر والمستقبل.. قادة يضعون التغيير نحو الأفضل على رأس أولوياتهم، هم قادة من معدن نادر تحتاج إليهم الأمم في لحظاتها المفصلية والتاريخية.
ولقد حبا الله الإمارات منذ مؤسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بعدد لافت من هؤلاء القادة، الذين يتحلون بسمات استثنائية حققت لهذه الأرض الطيبة نجاحات وإنجازات تكاد تكون مستحيلة، إلا في دولة اللامستحيل.
عندما يفكر المرء في معنى القيادة، وعندما يستحضر أمثال هؤلاء الرجال، فإن العقول تتوقف طويلاً وملياً عند القائد الفذ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، الذي تعلم فنون القيادة على يدي المغفور لهما بإذن الله زايد بن سلطان آل نهيان، وراشد بن سعيد آل مكتوم، رحمهما الله، حتى قاد دبي لتكون «دانة الدنيا»، وقدم لدولة الإمارات لا بل وللمنطقة العربية برمتها، الكثير والكثير من الإنجازات والرؤى والأفكار، والأهم أنه قدم لها نموذج القائد من صنف الرجال الأوائل، قائد من الصعب اختزال صفاته في كلمة أو حتى في عدة سطور أو مجموعة من المقالات.
عندما نفكر في مجموعة السمات التي يتحلى بها القائد، يبرز أمامنا نموذج محمد بن راشد، هذه السمات التي أمامنا اليوم إنما هي زرع منذ الطفولة، وعند التمعن فيها سندرك أنها كانت تؤكد أن هناك قائداً على موعد مع المستقبل، الأمر الذي يؤكد أن القيادة ثمرة صفات يتحلى بها بعض الأشخاص، لكنها تحتاج إلى التعهد والرعاية والتدريب والصقل، حتى تنضج وتؤتي أكلها، وحتى تستطيع التأثير في الآخرين وتغيير حياتهم، وتفيد البلاد والعباد.
الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله، برؤيته الثاقبة أدرك مبكراً الصفات القيادية في الشاب محمد بن راشد فعمل على صقلها ودعمها وشجعها، فكانت البداية الأولى في مشوار صقل سمات القيادة لدى الفارس الشاب في الأكاديمية العسكرية في بريطانيا حيث الممارسة العلمية والميدانية.
قيادة محمد بن راشد لم تؤمن يوماً بالمستحيل، وربما يكون هذا هو العامل الأبرز في جاذبيتها وقدرتها على التجدد، والأهم قدرتها الملحوظة في إدهاش البعيد قبل القريب.
القيادة أفعال قبل الأقوال ورؤى وأفكار، وهو ما نجده بامتياز لدى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والأهم من ذلك القيادة نموذج يقدمه القائد للآخرين، والقيادة استثمار وإدراك ألا نمو أو نجاح أو نهضة إلا من خلال الفكر المختلف، المغاير للمطروح، الفكر الذي يجعلك على موعد دائم مع قصب السبق، الفكر الذي يحلق بك، ويجعلك تختصر الزمن وتحقق في سنوات معدودة ما يريد الآخر عقوداً حتى يحققه، وهنا سنكون على موعد مع قاموس إنجازات محمد بن راشد، وقاموس نجاحات أبو راشد، والأهم قاموسه الخاص جداً والفريد في القيادة.
القيادة فكرة، تحلّق ولا تعرف المسار الخطي للتاريخ، تختزل الزمن في ساعات. بالأمس، وأنا أحضر احتفالية مرور 20 عاماً على تأسيس مركز محمد بن راشد لإعداد القادة، عادت بي الذاكرة إلى عقدين مضيا، ووجدتني استحضر اجتماعات سموه آنذاك مع كبار موظفي حكومة دبي في فندق «جميرا بيتش»، حيث كان يحثهم على تطوير الذات والاجتهاد والتفاني في العمل للوصول إلى المركز الأول، فيما ركّز آنذاك على حضور الصفين الثاني والثالث من الموظفين، حرصاً على إيجاد وتقديم قادة المستقبل.
اليوم اكتمل البناء وتخرج في المعهد 850 قيادياً يتولون مناصب عليا، وأثمرت شجرة القيادة، وآن لنا أن نطمئن ونستريح إلى ظلالها، وأن نحصد نتائج ما غرسه محمد بن راشد، ولكن لا نكتفي بذلك، وإنما نستعد للمزيد.
القيادة فكرة أفقية أيضاً، بمعنى أنها تؤثر في عقل ووجدان الآخرين المحيطين بالقائد، يتعلمون منه، ويحثون الخطى على طريقه.
من هنا نفهم ما قاله سمو الشيخ حمدان بن محمد ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس المجلس التنفيذي لدبي: «تعلمنا الكثير من محمد بن راشد في حكمه وحكمته وما زلنا نتعلم»، وهنا نسأل بدورنا: ومن ذا الذي لم يتعلم من محمد بن راشد؟.
القيادة فكرة عامة، أي أنها ملك للجميع، هناك من يتأثر بها، ويتغير نحو الأفضل، وهي لا تقتصر على مكان دون آخر، أي أنها قابلة للاستنساخ والتطبيق في أماكن عديدة، ولذلك قال محمد عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء: «محمد بن راشد رجل يعادل أمة»، وهو ما يتفق مع كل ما يطرحه محمد بن راشد من مشروعات تحمل الخير للوطن العربي، وما أكده مبكراً من أفكار في كتابه «رؤيتي».
ابتكر محمد بن راشد نموذجاً في القيادة، له مفرداته الخاصة، ورؤيته المميزة، ومذاقه الفريد، بحيث يدفعنا إلى إعادة السؤال: من ذا الذي لم يتعلم منه أو يتأثر به؟، ليس في الوطن الغالي وحسب، ولكن على امتداد العالم العربي من الماء إلى الماء، ومن في العالم لا يرى في محمد بن راشد نموذج القائد الذي أخلص بقلبه للوطن وفكر بعقله لأمته ومد يده بالخير والسلام إلى الآخرين، ورحب بابتسامته الودودة المطمئنة بجميع البشر، وكلها دروس تدفعنا إلى تكرار السؤال مرة ثالثة: من ذا الذي لم يتعلم من محمد بن راشد؟.