عادي

أسئلة أفلاطون على محك عصر «جوجل»

23:00 مساء
قراءة دقيقتين

القاهرة: «الخليج»
«أخطأ أفلاطون بقدر ما نتوقع من فيلسوف عاش قبل 2400 عام، ولو لم تكن تلك الحال كذلك، لما كانت هناك فائدة للفلسفة، التي لن تكون قد قدمت جديداً لمعارفنا، وأنا لا أعتقد أن الفلسفة عديمة الفائدة، لذلك أنا سعيدة جداً بالاعتراف بمدى الخطأ أو الارتباك الذي قد يبدو لنا أفلاطون عليه في كثير من الأحيان».
هكذا تقول «ريبيكا جولدشتاين» في صدر كتابها «أفلاطون في حضرة جوجل.. لماذا لا تنقضي الفلسفة؟» (ترجمة محمد صلاح السيد) موضحة أن ما يثير الدهشة أن أفلاطون لا يزال حاضراً في العديد من النقاشات المعاصرة، وليس ذلك لأنه كان يعرف ما نعرفه، الآن، فمن الواضح أنه لم يكن يعرف العلوم التي نعرفها، لكنه أيضاً ربما بدرجة أقل وضوحاً، لم يكن يعرف الفلسفة التي نعرفها، بما في ذلك الفلسفة التي تسربت من الدوائر الأكاديمية إلى الحياة العامة، فالاستنتاجات التي يؤسس لها الفلاسفة بداية عن طريق المنطق تجد طريقها بمرور الوقت، فتتسرب إلى المعارف المشتركة.
ربما يكون هذا التسرب أكثر شيوعاً في ما يتعلق بمسائل الأخلاق من الفروع الأخرى للفلسفة، لأنها الأسئلة التي تضعنا باستمرار تحت الاختبار، تقول ريبيكا: «تأملات أفلاطون على قدر عمقها، قلما تمثل الكلمة الأخيرة في مثل هذه الأمور، كان لدى المفكرين الأوروبيين في عصر العقل والتنوير، الذين جاؤوا بعد ألفي عام من أفلاطون، الكثير ليضيفوه إلى مفاهيمنا المشتركة عن الأخلاق، لا سيما في ما يتعلق بحقوق الفرد، وقد تعلمنا منهم ولا نزال، لهذا من المستحيل أن نقرأ أفلاطون اليوم دون أن نعترض على بعض ما قاله، وهذا تحديداً لأنه دلنا على طريق قطعنا فيه شوطاً أبعد منه».
هل يمكن القول إن أفلاطون لم ينجز شيئاً في الفلسفة، الحقيقة -تبعا للمؤلفة- أنه أنجز شيئاً استثنائياً، جعل من فكره بمثابة إحدى المراحل المحورية في تطور البشرية، ما فعله أفلاطون هو أنه شكّل مجال الفلسفة نفسه، كان أفلاطون هو أول من صاغ غالبية الأسئلة الفلسفية الأساسية، لقد أدرك جوهر نوع خاص من الأسئلة، السؤال الفلسفي الذي كانت بعض عيناته طافية بالفعل في أثينا في عصره، كما وسع نطاق تطبيقه، لقد طبق السؤال الفلسفي ليس فقط على معايير السلوك البشري، كما فعل سقراط لكن على اللغة والسياسة والفن والرياضيات والدين والحب والصداقة والعقل والهوية الشخصية، معنى الحياة ومعنى الموت، وطبائع التفسير والعقلانية والمعرفة ذاتها.
في هذا الكتاب ينبعث أفلاطون من جديد ليخوض تجربة مغايرة مع شركة جوجل فيعاين على أرض الواقع أفكاره الفلسفية ومدينته الفاضلة وقيمه وطرائق تفكيره في زمننا الحاضر.
من خلال هذه التجربة استطاعت ريبيكا جولدشتاين أن تجمع بين الحداثة والأصالة الفلسفية، كما استطاعت أن تزج بالفلسفة القديمة في حروب معرفية معاصرة، منها العلاقات الإنسانية ومنها الثورة التكنولوجية وإنسانية الإنسان، إضافة إلى ما بعد الإنسانوية التي قطعت شوطاً طويلاً في تفكيك هوية الإنسان، وجعله مجرد رقم في مصفوفة، أغرقت الإنسان في بحر من المعلومات، حتى تحول هذا البحر إلى لغز مثله مثل كل بحر آخر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/367e72wk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"