محمد خليفة *
العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الهند تعد مثالاً للعلاقات الودية المتكاملة والمتوازنة بين دول العالم.
هذه العلاقات ليست وليدة اللحظة، بل إنها قديمة تمتد لقرون طويلة، إذ إن التواصل بين الشعبين الصديقين يعود إلى مئات السنين، وهو ما وضع أساساً قوياً للعلاقات الثنائية الحديثة، وعزز هذه الروابط القديمة الاحترام المتبادل والتفاهم بين قيادات الشعبين على مرّ الزمن.
لقد جعلت تلك العلاقات التاريخية دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الهند دولتين شريكتين في الساحة الجيوسياسية المعاصرة، وقد ترسخ ذلك من خلال سعي الدولتين إلى تعزيز الشراكات في مجالات التجارة والاستثمار، وتتوسع هذه الشراكات مع التركيز على التعاون في قطاعات الطاقة والدفاع والفضاء وتكنولوجيا المعلومات، وشكلت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى جمهورية الهند في عام 2017، نقلة نوعية في العلاقات الثنائية بين البلدين، إذ شهدت التوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة إلى جانب ثلاث عشرة اتفاقية ومذكرة تفاهم أخرى بين البلدين في مجالات مختلفة.
وبلغت العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات وجمهورية الهند آفاقاً جديدة في 18 فبراير 2022، وذلك من خلال بيان الرؤية المشتركة بين الدولتين، الذي تم إطلاقه افتراضياً بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ودولة ناريندرا مودي، رئيس وزراء جمهورية الهند، حيث اتفق الجانبان على تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الدولتين، وبالتحديد في مجالات الاقتصاد، والثقافة، والطاقة، والعمل المناخي، والطاقة المتجددة، والتقنيات والمهارات، والأمن الغذائي والصحة، والتعليم، والمشاركات الدولية والدفاع والأمن.
وتم توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA) التي تهدف إلى زيادة الاستثمار والتدفقات التجارية على أساس التعريفات المنخفضة وزيادة الكفاءة التنظيمية، ما يمهد الطريق لزيادة حجم التبادل التجاري الثنائي إلى 100 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030.
تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة، سابع أكبر مستثمر في الهند، باستثمارات تقدر بنحو ثمانية عشر مليار دولار أمريكي، وقد كان لتبادل الزيارات بين مسؤولي الدولتين أثر كبير في تنمية العلاقات بينهما، وفي إطار استمرار سياسة التواصل بين الدولتين الصديقتين، قام سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي هذا الأسبوع، بزيارة إلى جمهورية الهند، والتقى برئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، في العاصمة نيودلهي. وقد بحث سموّه، خلال الزيارة، مع كبار المسؤولين في الهند، سُبل تعزيز فرص التعاون المشترك في القطاعات الحيوية الاقتصادية المختلفة، والبناء على ما وصلت إليه العلاقات الاستراتيجية من تطور خلال الفترة الماضية، بما يخدم المصالح المشتركة، ويعود بالخير والنفع على البلدين وشعبيهما الصديقين.
تؤكد هذه الزيارة متانة العلاقات التي تجمع بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الهند، اللتين تتطلعان إلى المزيد بينهما، لاسيما في الجانب الاقتصادي الحيوي في وقتنا الراهن، عبر العديد من المبادرات وخطط العمل التي يتم الاتفاق عليها.
سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، صاحب حضور مؤثر وذو بصيرة، ويبذل قصارى جهده لتوطيد علاقات دولة الإمارات مع دول العالم، وخلال هذه الزيارة وقعت وزارة الاستثمار بدولة الإمارات ثلاث مذكرات تفاهم مع جمهورية الهند تحدد أطر العمل، لتوسيع التعاون الاستثماري الثنائي في قطاعات الطاقة المتجددة وتصنيع الأغذية والرعاية الصحية، ووقعت الاتفاقيات الوزارات الهندية المعنية، ما يؤكد التزام دولة الإمارات القوي بدعم التنمية المستمرة للاقتصاد الهندي المزدهر، والذي من المتوقع أن ينمو بنسبة 7.3% خلال السنة المالية الحالية.
ودولة الإمارات العربية المتحدة مصدر أساسي للنفط والغاز إلى الهند، ما يضمن أمن الطاقة المهم لنمو الاقتصاد الهندي، وقد أولت الدولتان اهتماماً كبيراً بالتعاون في مشاريع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكذلك، شهدت التجارة غير النفطية بين الدولتين ارتفاعاً بنسبة 3.94%، من 51.4 مليار دولار أمريكي في عام 2022 إلى 53.4 مليار دولار أمريكي في عام 2023.
وبلغ إجمالي التدفقات الاستثمارية الإماراتية إلى الهند نحو 16.2 مليار دولار للفترة من 2019 إلى 2023، كما بلغت استثمارات الهند في الإمارات 7.76 مليار دولار خلال الفترة ذاتها، وتعد الهند أكبر وجهة للصادرات وشريكاً تجارياً لدولة الإمارات العربية المتحدة.
تتقارب مصالح الدولتين بشكل متزايد، إذ تحرصان على ضمان الأمن البحري في منطقة المحيط الهندي، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وشهدت السنوات الأخيرة تعميقاً كبيراً للعلاقات الدفاعية، مع اتفاقيات بشأن التدريبات المشتركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون في تكنولوجيا الدفاع.
ودولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الهند شريكتان ضمن تجمع «بريكس» الذي يسعى إلى حوكمة السياسة العالمية، وإصلاح المؤسسات الدولية، بما يجعل الواقع العالمي أكثر توازناً، وبما يجعل الموارد العالمية متاحة لمختلف الشعوب.
إن قيادة دولة الإمارات الحكيمة لا تألو جهداً في توطيد العلاقات مع كافة دول العالم، وتنويع الحلفاء في الشرق والغرب، بما يضمن شراكة سياسية واقتصادية متينة، تصب في صالح المواطن الإماراتي، وكل من يعيش على أرض هذا البلد الطيب، الذي يسعى، بفضل قيادته، إلى تنويع مصادر الدخل، وتنويع الحلفاء، وبناء شراكات استراتيجية، وتحالفات متينة مع كافة الأصدقاء.
* كاتب من الإمارات